ناهض حتّر
يكفي جورج حاوي مجدا انه هو الذي وقع بيان اعلان المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 ايلول .1983 كان لبنان، حينها، غارقا في ظلام الاحتلال الاسرائيلي، مستنزفا بالحرب الاهلية البغيضة، ممزقا مهزوما حتى النخاع، واليأس شاملا على مشهد «الابوات» الذين اذلوا فلاحي الجنوب ثم خروا امام الدبابات الاسرائيلية، وحولوا، لاحقا، مقاومة المناضلين اللبنانيين والفلسطينيين، في بيروت البطلة، إلى مساومة!
من الرماد، انطلق طائر الكفاح. وكان الشيوعيون، وقتها صحبة القوميين السوريين والبعثيين هم القادرون، بحكم تدريبهم العلماني النضالي وعقلانيتهم، على الوقوف في وجه الوحش الاسرائيلي، وبدء الهجوم المعاكس. وفي قلب هذه القوى -التي ظلت حية- كان جورج حاوي، الزعيم والملهم والرائد.
في نهاية الثمانينات، حاصر الطائفيون – المدعومون من اطراف اقليمية- «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» ودمروها بالاغتيالات والقتل الجماعي، ثم انهار الاتحاد السوفييتي، وتم ضرب العراق، وانشاء الصيغة اللبنانية القائمة على التفاهم الامريكي-السوري-الايراني. ومنذ مطلع التسعينات، جرى تهميش الشيوعيين اللبنانيين، ولم يكسبوا من وراء تضحياتهم الجليلة، في المقاومة والتحرير، سوى العزلة لحساب القوى الطائفية والكمبرادورية.
حاول جورج حاوي، خلال التسعينيات، تحويل الحزب الشيوعي اللبناني الى حركة ديمقراطية شعبية جديدة وفشل، وسعى الى اعادة بناء المجتمع السياسي اللبناني على اساس المصالحة الوطنية، واظنه فشل ايضا. وفي محاولاته هذه، وقع في اخطاء سياسية وفقد البوصلة احيانا، ووصل الى قناعات جديدة، فاعتذر عن دوره في الحرب الاهلية، وتحول الى ليبرالي من نوع خاص، يركز جهوده على اعادة بناء المجتمع اللبناني المخرب.
لكن الخط الذي لم يتزحزح جورج حاوي عنه ابدا، هو خط المقاومة ضد اسرائيل. ولذلك، فهو ابتلع الجرح، ووجد في الحزب الذي استلم الراية، اي حزب الله، الكفاءة والقدرة على مواصلة الطريق.
كان حاوي من أبرز القيادات السياسية اللبنانية والعربية. في السبعينات والثمانيات، ولعب ادوارا رفيعة على المستوى الاقليمي والدولي. وكان الدينامو الذي شغل الحركة الشيوعية العربية في السباقات السياسية الاكثر الحاحا في تلك الفترة، في مواجهة امريكا واسرائيل.
وبسبب نضاله ضد الصهاينة، فان اسم حاوي موضوع منذ وقت طويل على قوائم الاغتيالات الخاصة بالموساد الاسرائيلي. لكن الذين لهم مصلحة في تغييبه، كثيرون؛ خصوصا انه كان من المتوقع ان يلعب حاوي دورا كبيرا في مقرطة السياسة اللبنانية، ومقاومة المشروع الامريكي الكبمرادوري.