ناهض حتّر
أراقب، بانتباه، الاستفتاءات شبه الاسبوعية التي يديرها موقع «الجزيرة» الالكتروني حول القضايا الرئىسية او الساخنة. النتائج، بالطبع، لا تقدم اساساً علمياً مكيناً لاصدار الحكم او الشروع في تحليلات معمقة. ولكنها، مع ذلك، تعطي مؤشرات مهمة، خصوصاً وان عديد المصوتين لا يقل عادة عن عشرة آلاف، ويصل، احياناً، الى خمسين الفاً او اكثر.
والمؤشرات تلك تعكس مناخاً في الرأي العام، قلما كان خارج المتوقع الا من حيث النسب ففي الاستفتاء الحالي حول نزاهة الانتخابات في البلدان العربية، قال 94 بالمئة من المصوتين انها غير نزيهة، وهو ما يشبه الاجماع، ويقودنا الى الاستنتاج بأن الرأي العام العربي لا يثق كلياً، بالانظمة السياسية الحاكمة. ومع ذلك، وعلى الرغم من ان نزاهة الانتخابات العربية، مطعون فيها في كل حديث وفي كل مناسبة، فاننا نلاحظ ان قسماً كبيراً من المواطنين العرب، يشارك فيها كأن العربي لا ينشغل بالسؤال الاخلاقي حول العلاقة بين الرأي والممارسة.
في الاستفتاء السابق حول انجع الوسائل للتغيير في العالم العربي، اعرب حوالي 30 بالمئة من المشاركين عن قناعتهم بان «الثورة المسلحة» هي الطريق الوحيد للتغيير، بينما اكتفى 60 بالمئة من المشاركين «بالاحتجاجات الشعبية» وعلى الرغم من اقل من 10 بالمئة هم اولئك الذين قالوا بالاسلوب التدرجي المسالم، فان السلوك السياسي الفعلي للاغلبية الشعبية، في العالم العربي يعكس رأي هؤلاء ال¯ 10 بالمئة، بل قل ان الاغلبية تلك غير مبالية على الاطلاق الا اذا كان التحليل يعتقد بان العرب ينتظرون منظمي الثورات والمظاهرات، للمشاركة. وهذا التحليل ليس صحيحاً، فالنخبة المصرية، اليسارية والاسلامية، كسرت بالفعل، تابو منع التظاهر، لكنها لم تستطع بعد ان تجتذب الجماهير اليها. وان متظاهري التغيير الديمقراطي في مصر هم حزبيون او مناضلون محترفون او نشطاء سياسيون، يتظاهرون في غيبة الشعب…
وفي استفتاء اخر، صوت 46 بالمئة من المشاركين الى القائد الاخواني عصام العريان مرشحاً لرئاسة الجمهورية في مصر، بينما حصل الليبرالي المتأمرك ايمن نور على 24 بالمئة من الاصوات وحل الرئيس المصري حسني مبارك ثالثاً بنسبة 16 بالمئة. ولكننا نعلم انه اذا جرت انتخابات نزيهة في الظروف الحالية، فان فرص مبارك هي الاكبر. عداك عن ان الاخوان المسلمين لا ينافسون، من حيث المبدأ، على الموقع الاول «انظر تجربة فلسطين» ويفضلون البقاء في صفوف المعارضة الموالية، في الوقت نفسه تحسين شروط هيمنتهم الفكرية والسياسية على المجتمع. اما ايمن نور فهو يحتاج الى انقلاب امريكي لا يقل عنفاً – حتى بوسائل سلمية – عما حدث في العراق.
هل هنالك خلاصة؟ بالطبع. وهي الآتية:
1 – على المستوى العلمي، فإن قيمة استطلاعات الرأي، هي محدودة للغاية، ولا يتعدى دورها سوى رسم ملامح حول كليشيهات التفكير في لحظة معينة هي لحظة الادلاء بالرأي الذي لا يترجمه سلوك، وليس له ثمن، ولا يعبر عن اتجاهات نشطة او فعالية، وينطبق ذلك على كل المجتمعات، ولكنه، في المجتمعات الاستبدادية تحديدا، ينطبق الى درجة مثيرة للضحك.
2 – ان التناقض الحادّ بين الرأي والقوى، وبين القول والفعل في الثقافة العربية المسيطرة هو علة العلل، التي تقف وراء خشبية ولا عقلانية وضواء الفكر السياسي والاخلاقي في العالم العربي.
ان آراءنا الحقيقية هي، في الغالب، جبيسة نفوسنا. وفي احسن الحالات، حبيسة الغرف المغلقة، لكن التعبير المتماسك المثابر عن وجهة نظر متكاملة وفاعلة، في السر والعلن، ليس سوى سلوك «مجنون» لا يقترفه الا «فدائي».
وفي وضع كهذا يذوي الفكر من داخله، بالتكرار للقوالب والخضوع للمواضعات، وتلافي القضايا الحقيقية الساخنة. ولذلك، فان المداولات الفكرية طالما تجر الناس الى التثاؤب.
* * *
ومع ذلك، قد نكون مخطئين. وقد تكون نتائج الاستفتاءات على الانترنت، ذات دلالة حقيقية.