ناهض حتّر
وصف نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، استراتيجية بوش الجدية في العراق، «بانها تصب الزيت على النار» لكن دمشق ليست متوجسة – مثل الايرانيين الذين بدأوا يحشدون على الحدود مع العراق – ومن الواضح ان السوريين ينظرون الى عناد البيت الابيض باعتباره لحظة عابرة سوف تنجلي عن اتجاه السياسة الامريكية الى التحرك في اطار توصيات بيكر – هاملتون.
لقد بدأت المفاوضات الامريكية – السورية بالفعل عبر لقاءات عديدة ومطولة ومثمرة مع قيادات في الكونغرس، واطلقت دمشق اشارات سلمية ازاء اسرائيل بل وتسربت انباء عن لقاءات سرية جرت فعلا بينهما – ونفاها الطرفان – ولكن الاهم هو المبادرات التي اتخذتها سورية بشأن التعاون حول العراق. وهي بدأت منذ الان بترتيب اوراقها.
1- رعت دمشق – مؤخرا – مؤتمرا تشاوريا لقيادات وكادرات بعثية عراقية بقيادة محمد يونس الاحمد، وبدأت بالفعل، حركة واسعة خارج العراق وداخله، باتجاه اعادة تأسيس حزب البعث العراقي، بوصفه فرعا للقيادة القومية – السورية – وقد دان وريث الرئيس صدام، عزة الدوري، هذه «المؤامرة» ووصفها بأنها محاولة لاشراك جناح بعثي في «مفاوضات مع الاحتلال الامريكي» ودعا رفاقه الى التصدي لها. لكن يظهر ان «المنشقين» يراهنون على الغاء قانون اجتثاث البعث، والاعتراف بهم كحزب سياسي في «العراق الجديد» لا يمكنهم من اجتذاب اغلبية البعثيين العراقيين الى صفوفه، والتحول الى قوة رئيسية تنخرط في جهود المصالحة الوطنية، والتفاوض على صيغة عراق ما بعد الاحتلال، بينما يخضع انصار الدوري للمطاردة.
2- بالموازاة، استقبل الرئيس السوري بشار الاسد «نظيره» العراقي جلال الطالباني الذي مكث في دمشق اسبوعا كاملا، اجرى خلاله مناقشات تفصيلية حول عدة قضايا ثنائية واقليمية، ووجد ان «الاجواء مهيأة لمبادرة من البيت الابيض» للحوار مع السوريين. ووقع الطرفان اتفاقيات اقتصادية وتنظيمية وامنية، وكذلك بيانا سياسيا يؤكد على «وحدة العراق ارضا وشعبا» على حريته واستقلاله، وادانة كل اشكال الارهاب التي تطول العراقيين.. وجدولة انهاء الوجود العسكري الاجنبي في البلاد وهذه هي المرة الاولى التي يوقع فيها زعيم كردي ومسؤول عراقي على نص يطالب بجدولة الانسحاب الامريكي واتخاذ كافة الاجراءات لتحقيق ذلك.
ومن الواضح ان الطالباني يتهيأ للاحتمالات المختلفة، ويريد ضمانات سورية للحفاظ على المكتسبات الكردية – هل من ضمنها كركوك؟ – حين تتغير الظروف، بالاضافة الى ترتيبات تتعلق بمصالح حزب الطالباني – الاتحاد الوطني الكردستاني – الذي يتقاسم مع منافسه الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البرزاني، السيطرة على اقليم كردستان العراق.
3- بدأت دمشق اتصالات ونشاطات لتحشيد قوى عراقية حليفة للمساهمة في دعم عملية المصالحة الوطنية.
4- رئيس آخر حل ضيفا على العاصمة السورية، بعد الطالباني. انه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبغض النظر عن نتائج مباحثاته مع زعيم «حماس» خالد مشعل، فان الاهم، في هذه الزيارة هو الاعتراف الواقعي من قبل «فتح» بالمدخل السوري لحل الازمة الفلسطينية – الفلسطينية. فدمشق هي الطرف الاقليمي القادر على التأثير الحاسم على القرار الحماسي، وتأمين الغطاء للتنازلات المطلوبة من مشعل، فتحاويا واسرائيليا.
5- ولعل قراءة «فتح» للمشهد الاقليمي والدولي – وربما وصل اليها من معلومات ايضا – تشير الى ميول اسرائيلية جدية، لفتح خطوط تفاهم مع دمشق بشأن تلافي مخاطر الجبهة اللبنانية، وتحقيق اختراق سلمي في الجولان، يسمح لاسرائيل «بالتعافي» وتحسين شروطها على المسار الفلسطيني، المتوقع في كل الاحوال تنشيطه.
6- ولعله في نقطة ما قبل بدء الحوار الرسمي الامريكي – السوري، سوف تتوصل الرياض الى ضرورة اجراء «صفقة لبنان» المنتظرة مع دمشق التي ظهر، بوضوح، ان حضورها في هذا البلد لا يمكن شطبه.
7- وسيكون ذلك مقدمة لاستعادة الحلف الثلاثي – السعودي – المصري – السوري – مرة اخرى. ناقص الاردن. سورية مؤهلة وتريد وتسعى لان تكون القشة التي يتعلق بها النفوذ الامريكي الغريق في المنطقة، الا اذا اشتعلت الثورة العراقية الكبرى، واطاحت بالاحتلال وبالتسويات وبالعالم القديم كله.