ناهض حتّر
من المنتظر ان يتم، غدا، اطلاق جبهة سياسية جديدة في الاردن، هي “التيار الوطني الديمقراطي” بمشاركة الحزب الشيوعي الاردني -جناح الدكتور منير حمارنة- وحزب الشعب الديمقراطي وحزب البعث التقدمي.
ونحن نعد خروج هذه المنظمات من تحت مظلة الاخوان المسلمين، خطوة ايجابية باتجاه امكانية قيام الخط الثالث الديمقراطي الغائب بين القطبين، الاسلامي واليبرالي -الحكومي.
غير انها -للاسف- خطوة صغيرة للغاية «فالحزب الشيوعي الاردني» لا يضم اكثر من 10-15 بالمئة من جمهور الشيوعيين واليساريين الاردنيين الفاعلين. وكان قد فشل في اقناع هؤلاء بالانضمام الى صفوفه، مثلما رفض، من جانبه اقتراحهم تشكيل «ملتقى اليسار الاردني» كصيغة جبهوية ويبدو لي ان «الحزب» ما يزال متمسكا بالتقاليد القديمة القائمة على رفض الائتلافات مع الرفاق المستقلين، وعدم الاعتراف بمنظماتهم وتجمعاتهم، وفي الوقت نفسه السعي الى استقطابهم فرادى في صفوف الانضباط التنظيمي .
ومن الواضح ان هكذا مقاربة لم تعد ممكنة الان وبالخلاصة فان القسم الاعظم من اليساريين الاردنيين، سوف يكونون خارج «التيار الوطني الديمقراطي» المزمع وهو ما سيضعفه ويشل فعاليته.
وبالنسبة لحزب البعث التقدمي -الجناح السوري- فمن المعروف انه يمثل الاقلية في صفوف البعثيين الاردنيين- وهم كثر- وكنا قد كتبنا عدة مرات نقترح اعادة توحيد البعث الاردني في منظمة او جبهة تأخذ بالاعتبار دروس احتلال بغداد وسقوط نظام الرئيس صدام حسين وتعثر التجربة السورية معا، وتطوير منظورات بعثية ديمقراطية، واعادة تجذير الحزب في قلب الحياة السياسية الاردنية، لكن، ظهر ان الافرقاء البعثيين مصرون على تجاهل التطورات الحاصلة. ولم تحدث اية خطوة في اتجاه الوحدة والتجديد وهكذا. فان القسم الاعظم من البعثيين الاردنيين، سيكون ايضا، خارج التيار العتيد. نحن، اذا، بالمحصلة لسنا امام «تيار» ولا حتى نواة «تيار» بل امام اتفاق ثلاثة تنظيمات صغيرة، لن يؤدي اجتماعها معا الى تغيير نوعي في حضورها السياسي او الجماهيري، وهذا طبيعي بالنظر الى روحية الاقصاء من جهة والى التمسك بالمنظورات التقليدية، من جهة اخرى، اعني ان «التيار الوطني الديمقراطي» لم يستطع ان يقدم صيغة تنظيمية قادرة على توحيد صفوف القوى الوطنية الديمقراطية، مثلما لم يستطع – بالترابط- تقديم افكار سياسية جديدة قادرة على استنهاض روحيّة جديدة هي شرط لا غنى عنه لملء الفراغ السياسي الحاصل على المستوى الشعبي.
نعيش جميعا، اليوم، لحظة التأسيس الثالث للدولة الاردنية. وهي لحظة تتطلب من كل سياسي جاد، اعادة قراءة التكوين الاردني الحديث في تاريخيّته الحياتية، في خطي التراكم والقطيعة والانجاز والازمة واتجاهات التراجع وامكانيات النهضة.
ولعل المهمة الملقاة على عاتق الوطنيين الديمقراطيين في هذه المرحلة، ان يتجاوزوا الاعتراض – خجولا او عنيفا- الى قبول تحدي تقديم البديل الوطني الاستراتيجي، وعناوين هذا البديل تتمثل في اكتشاف الذات الوطنية او المواطنة، والهوية، والشفافية المجتمعية، والتحديث، وتحقيق اختراق تنموي نوعي يضع الاردن على خريطة المنافسة الاقليمية والدولية، وينتج عن ويسمح بتطور القوى الاجتماعية الاردنية. نحن نتحدث اذا عن المشروع الوطني- الديمقراطي الاردني- بكل ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اي عن توفير الشروط اللازمة للنهضة لا على شكل حلم او دعاية بل على شكل اجندة القفزة الكبرى نحو الحداثة.
«التيار الوطني الديمقراطي» لا يقترب للاسف من هذا المنظور وهو ليس خيارا.. بل شرط للفاعلية السياسية وانتقال «التيار» من الهامش الى حركة جماهيرية.