ناهض حتّر
تعيش الأوساط السياسية المصرية، الآن، صدمة اليوم الانتخابي العنيف يوم الاحد، فمعارك “البلطجية” في الشارع، تخطت الحدود الاعتيادية بين المتنافسين المحليين الى مواجهة مشحونة بين القوتين الرئيسيتين في الحياة السياسية المصرية: الحزب الوطني الحاكم -المنقسم على نفسه- والاخوان المسلمين.
العنف الانتخابي في مصر له وظيفة محددة، هي منع المقترعين المحتملين للخصوم من الذهاب الى مراكز الاقتراع. وهذا أسلوب معهود في ممارسات الحزب الوطني، لكن «الاخوان» ردوا بالأسلوب نفسه، في قرار صدام… قد يكون لحظة فاصلة في اتجاه الصراع نحو عنف الشوارع.
بعدما ضمنوا «34» مقعداً في المرحلة الاولى، حقق «الاخوان» في المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية، اختراقاً حاسماً حين فوزوا «17» مرشحاً في الجولة الاولى مقابل «6» مرشحين استطاع الحزب الوطني تمريرهم بشق الأنفس. وهو ما يشير الى انقلاب في المشهد السياسي المصري. صحيح ان «الاخوان» لن يخترقوا، في النهاية، حاجز ال¯ 100-120 نائباً من اصل 454 نائباً، لكنهم أظهروا بوضوح في هذه الانتخابات، حجم قدراتهم على الأرض، واستعدادهم لخوض الصراع بكل اشكاله، ابتداءً من حشد الأصوات، الى حمايتها، الى القدرة على «منع» أصوات الخصوم الى القدرة على شرائها!
الاستقطاب الحاصل الآن بين الحزب الوطني .. و«الاخوان»، مخيف. اولاً لانه ناجم عن ثغرة هي الانقسام الحاصل في الحزب الوطني -والنظام المصري- بين «الحرس القديم».. والليبراليين. وقد تنافس هذان الجناحان.. -علناً- في الانتخابات، بل وتصادما بالأيدي، وفتح كل منهما خطوطاً على «الأخوان» الذين دخلوا بذلك الى صلب الصراعات الداخلية في قلب النظام. بل ربما يكون «الأخوان» القوة المرجحة في الصراع الذي سيتبلور في وقت قريب، حول توريث الرئاسة الى جمال حسني مبارك، المعني باستقطاب التأييد «الأخواني» وهو ما ينطبق، ايضاً، على خصوم التوريث. ثانياً- ان ظهور قوة «الاخوان» بهذا الحجم، وبهذا الدور، سوف يحول دون التغيير الديمقراطي في مصر، من حيث انه سيهمش القوى القومية واليسارية والليبرالية التقليدية، ويمنع التعددية، لصالح استقطاب هيمني للقوى السلطوية – ومنها «الأخوان»- وثالثاً- لان اللوحة السياسية الجديدة – التي يحتل «الأخوان» موقعاً بارزاً- سوف تعيد الجماعات المتطرفة الى الحياة، سواء لجهة استيعابها من قبل «الاخوان» الأقوياء.. ام لجهة المنافسة بين «الجماعات» و«الاخوان» على الشارع الاسلامي. وكل هذه اتجاهات تسمح ب¯، وتقود الى انطلاق العنف السياسي في مصر، في مستويات انفجارية غير مسبوقة.
القوة الوحيدة التي تواجه هذا المسار هي اليسار المصري الذي استعاد، مؤخراً بعض عافيته الجماهيرية، لكنه يجاهد، الآن، من اجل «10» مقاعد فقط في مجلس الشعب، لا تعكس حضوره التاريخي، في حين ان حزب الليبرالية التقليدية «الوفد» قد يكون خارج المجلس تقريباً.