ناهض حتّر
تطورت في بلدنا صيغة خاصة لحركة النخية السياسية، تقوم على الفردية.
صحيح ان الفرديات النخبوية، تتجمع، هنا وهناك، في أطر ترتد الى التكوينات الجزئية – على اختلاف عناوينها- ولكنها، أيضاً أطر مؤقتة، تقوم لحاجة او موقف او مصلحة.. لكن قضاء السياسة الاردنية، يظل قضاء أفراد.
هناك ميل عام لدى النخبة السياسية الاردنية الى تلافي الالتزام السياسي، ويلاحظ ذلك حتى بالنسبة لـ «الملتزمين» حزبياً. فأنا لم أجد ثلاثة اسلاميين على رأي ووجدان واحد، والتزام كامل، وكذلك الأمر بالنسبة لليساريين والقوميين، بل، كذلك بالنسبة لاعضاء الحكومات والمسؤولين.
وقد يبرز في فضاء كهذا فاعلون كبار، من دون ان يتخطوا شرنقة الفردية. وبالمحصلة، فنحن امام صفر من الفعالية السياسيّة، ذلك ان السياسة، بالضرورة، اجتماعيّة.
وقد يجد الحكم في وضع كهذا، مناخاً ملائماً لحرية لا حدود لها في اتخاذ القرار. ولكن، في الازمات المفصلية، حين تبرز ضرورة وجود نخبة سياسية مجتمعية متفاعلة على اساس اتجاهات والتزامات، وحين تتسع الهوّة الداخلية في المشاعر والمناهج والمصالح، فسوف نصل الى نتيجة هي ان تجريف النخب السياسية وتفتيتها هو، أيضاً تفريغ للنظام السياسي من الداخل.
وهناك قد يرى ان تفتيت بل قل: «تفريد» النخبة السياسية الاردنية، يبدأ من النظام الانتخابي القائم على المنافسة الفرديّة، وينتهي باسلوب التوزير والتعيين في المناصب العامة القائم على نبذ الملتزمين، وعلى الفردية كشرط للدخول في النادي الحكومي. لكنني أرى أنه- بالاضافة الى ذلك – هناك، ايضا، اسباب اكثر عمقا فتصل بالثقافة البدوية الفردية الطابع، والمراحل المتتابعة المتلاحقة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والاقليمية العاصفة، والتي شهدها بلدنا منذ اواخر الثمانينات، ولا يزال.
ومن المفارقات الدالة على الطابع الفردي للنخبة السياسية الاردنية، ان منظمي حوار «كلنا الاردن»، دعوا اليه «700» شخصية، تمثل «700» رأي. وهذا يقود بالطبع، الى انعدام امكانية الحوار، ولا يقود، حتما، الى اتفاق جدي ملزم او الى حيوية سياسية. فالاصل هو ان يكون الحوار بين اقطاب او ممثلين لاتجاهات سياسية فاعلة اجتماعيا، بحيث يكون الاتفاق فيما بينها – والاتفاق معها – ذا جدوى.
كان منظمو هيئة «كلنا الاردن» سعداء بالتعامل مع افراد، وكان الافراد سعداء بتحقيق حضورهم السياسي من دون شرط الالتزام السياسي والنشاط السياسي واعبائه. ولكن محصلة هذه السعادة الوطنية، كانت صفرا.
واذا كانت هنالك مؤشرات على ان الحكم بدأ يدرك حجم الازمة السياسية الناجمة عن «تفريد» النخبة، فهل يكون الحل في تنميط النخبة على اساس جزئيات المكونات الاجتماعية – السياسية البدائية، فتكون بازاء مرجعيات ما قبل الدولة، والتي من شأنها تمزيق المجتمع نفسه؟
لا يوجد حوار. او سجال في الاردن بين الاتجاهات الفكرية – السياسية، بل صمت مطبق وفراغ وشلل. الافكار والرؤى والصرخات تذوي وتموت من دون ان يتصدى لها احد بالاتفاق او المعارضة، بينما الاخطار تعصف بالبلد، من دون ان يكون هناك قلق او حميّة لدى النخبة السياسية المنصرفة الى تحصيل المعاش وترتيب الوضع الشخصي، واستهلاك «اوقات الفراغ» على موائد ورق الشدة. وجلسات التنّدر والاخوانيات.
امامنا -الآن- عطلة العيد الطويلة. وانا اقترح على اعضاء النخبة السياسية الاردنية، تخصيصها لزيارات ولقاءات جادة مع رفاق الفكر والاتجاه السياسي، للبحث عن اجابات على الاسئلة المطروحة على المستوى المحلي والاقليمي. ما هي هذه الاسئلة؟ نتابع غداً.