في الضاحية

ناهض حتّر
“الصورة” – رغم كثافة المعنى والشمول والتفاصيل – تظل تنطوي على خدعة. فلا بد لك ان تحضر، شخصياً، الى حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكي ترى او – للدقة – لكي تنغمس عيناك في التراب، ويملأ حطام البنايات التي تحولت الى غبار كثيف، انفك وفمك ورئتيك وملابسك، ثم تأخذ نفساً صعباً من الهول لكي تلمح رائحة بقايا جثة لم يجر انتشالها.

ستتحول تلك الى فكرة لاهثة في موقع الجريمة الاسرائيلية. القصف المنهجي الجنوني الحاقد، استهدف – حرفياً – الابادة، ليست هذه عمليات حربية، انه اكثر من ارهاب. أعني ان صفة الارهاب لا تكفي للتعامل مع عقلية الابادة التي تقف وراء هذا القصف. فمن الواضح ان الخطة الامريكية – الاسرائيلية كانت مصممة لتنفيذ مذبحة جماعية بحق قيادات وأعضاء حزب الله.. ومجتمعه ولولا ما أبداه الحزب من مبادأة وحزم وسرعة في الترحيل الجماعي لأعضائه وسكان الضاحية، لكنا الآن أمام واحدة من أكبر المقابر الجماعية في التاريخ.

يقول المرافق ان أية بناية كان يشغل حزبي احدى شققها، تم استهدافها وتدميرها كلياً او جزئياً، أي أن الاسرائيليين كانوا مستعدين لقتل مئات النساء والاطفال والرجال… من أجل الاجهاز على رجل واحد. او لماذا لا نقول انهم كانوا يستهدفون – حرفياً – التصفية الجسدّية لمجتمع حزب الله؟ انها، إذن، حرب إبادة استهدفت جماعة مجتمعية محددة لأسباب سياسية.

وعندما فشل الاميركو اسرائيليون بانجاز المذبحة البشرية – على النطاق الذي كانوا يريدونه – لم يتوقف القصف، مستهدفاً، هذه المرة، العقاب الجماعي لمجتمع الضاحية.. بتدمير البنايات السكنية وتسويتها بالأرض.

لكن – بالطبع – الصورة لم تكتمل. الآن، عاد الحزب.. ومجتمعه الى الضاحية، انها تضج بالناس والحياة والحيوية في شوارع رفعت الآليات عنها ركام الدمار. الآليات تهدر، والرجال يعملون، وفق خطة، بكفاءة ودقة ومثابرة. العائلات ترمم وسائل عيشها، وتعيش بقوة وانفعال، في مسرح الجريمة/ مسرح الصمود.

مجتمع مسكون بنهضته السياسية – الثقافية، مستعد للتضحية من دون شكوى أو تذمر، مستعد للكفاح، مستعد للعمل في أقسى الظروف، متضامن كأنه – كله – خلية حزبية… لكن غير مغلقة على ذاتها.. تتطلع الى الاندماج، تحيا في الحرية..، أي أنها تدرك الضرورة التاريخية لدورها، وتضحياتها… وخطها السياسي.

وأنت تغادر «الضاحية»، بعد جولة العرق والغبار والركام ومشاهد الدمار، تشعر – حسياً – بأن العدوان قد انكسر في «الضاحية»… أوقع بشهداء وجرحى، ودمّر.. لكنه لم يمسس صلابة الخلية…

على كتل الردم، تنتصب يافطات التحدي، وفي قلب الردم، ينطلق صوت «المنار».. غير ان الأهم هو صوت الناس، يملأ الوجدان.

تذكرت – وأنا على ضفاف الفكرة – ملاحظة عزمي بشارة الذكية: هل نحسد مجتمع المقاومة على رجاله الأشاوس… أم نحسد حزب الله على مجتمعه؟.

Posted in Uncategorized.