العصور الوسطى الامريكية

ناهض حتّر
تتجه الولايات المتحدة الى القبول بنوع ما من الدولة الدينية في العراق. الامريكيون المستعجلون مغادرة المستنقع العراقي، اصبحوا مستعدين للتنازل عن اهدافهم الايديولوجية لقاء الحفاظ على الحد الادنى من مصالحهم في البلد المنكوب.

قبل الغزو الاستعماري الامريكي، كان العراق علمانيا وحداثيا. وكان هناك سيناريو ممكن – وان يكن بعيد المدى- لتجاوز الاستبداد وبناء ديمقراطية تستوعب التقدم التقني والثقافي والاقتصادي العراقي. وبالغزو، جرى تدمير هذه الامكانية. دمر الغزاة البنى التحتية المادية والمؤسسات وقتلوا وشردوا النخبة العلمية العراقية، واطلقوا شياطين الطائفية كم قماقمها. وعادوا بالبلاد الى العصور الوسطى.

انه لدرس تاريخي بليغ، يظهر ان التدخل الخارجي المسلح، يسير بالاتجاه المعاكس لحركة التاريخ، ويكشف بلاهة العناصر اللا-وطنية التي تتوهم بامكانية بناء الديمقراطية وحصول التقدم عن طريق عودة الاستعمار، العسكرية او السياسية.

قبول الامريكيين بدولة دينية في العراق، يطيح، بالطبع، بالايديولوجية الامريكية كليا. انه حكم بالاعدام على الحثالات الفكرية «للمحافظين الجدد» ووكلائهم «الليبراليين الجدد» في العالم الثالث. وهو ما سيكون له تأثير نوعي على المناقشات النظرية والاستراتيجية في السياسة الدولية، ولسوف تكون الولايات المتحدة امام خيارين، فاما ان تتوصل الى قناعة بان الاستعمار اصبح من الماضي، واما انها تغامر بانهيارها الذاتي. فالقوة المجردة من دون مشروع ايديولوجي لا قيمة لها. وعندما تسقط الايديولوجية تصبح الدبابات والطائرات والبوارج، خردة. ويكفي ان نتذكر المثال السوفياتي لكي ندرك ما الذي يخبئه التاريخ لامريكا، ليس على المدى البعيد، بل المنظور.

يبقى ان نلاحظ ان «الدولة الدينية» مضادة للتكوين العراقي. فهي تمزقه طائفيا. وليس عبثا ان العراق الحديث المستقل، اتجه، دائما، نحو العلمانية. فهذا البلد- المتعدد الطوائف- اراد ان يضمن وحدته اولا، واستقلاله عن القوى الاقليمية ثانيا – فسيكون بمنأى عن وهابية الجزيرة السنية وولاية الفقيه الشيعية الايرانية -وما فعله الغزاة الامريكيون انهم كسروا التكوين العراقي الوطني، وسلموا زهرة المشرق العربي، لل¯ «قاعدة» وملالي طهران.

Posted in Uncategorized.