ناهض حتّر
“مروحية امريكية جديدة تسقط في العراق”. اصبح هذا الخبر، من الآن، عادياً. لن يرد، بعد، تحت عنوان “عاجل”، ولن يتقدم النشرات الاخبارية بل يقع في الشريط الاخباري للفضائيات، وفي الصفحات الداخلية للصحف.
من الواضح ان صواريخ ارض – جو المحمولة على الكتف، بالنسخة الروسية المطورة، قد دخلت، مؤخراً، في الخدمة لدى جماعات المقاومة العراقية. وعما قريب سوف ينتشر على نطاق واسع، ويشلّ حركة المروحيات الامريكية في العراق. وهي وسيلة للنقل والقتال، لم يعد ممكناً الاستغناء عنها بالنسبة للمحتلين الامريكيين لأسباب ميدانية وسياسية.
ميدانياً، اصبح النقل البري في العراق، خطراً للغاية، بسبب تنامي قدرة المقاومين على زرع متفجرات الطرق الفعالة أو اصطياد الآليات بصواريخ ارض – ارض المعدلة. كذلك فان قدرة الدبابات على اشتباكات الاحياء والشوارع، تراجعت واصبحت أكثر خطورة وأقل فاعلية.
وقد بدأت قوات الاحتلال، منذ 2005 تعتمد، بصورة متزايدة، على المروحيات للقيام باعمال النقل والمواصلات الادارية والعسكرية، بالاضافة الى المشاركة في الاشتباكات، ما أدى الى الخفض النسبي لاعداد القتلى والجرحى الامريكيين، وهو ما يشكل البعد السياسيّ المهم جداً وراء استخدام المروحيات.
ويقول المحتلون والقوات العراقية التابعة لهم، انهم عثروا على وثائق للمقاتلين، تشخّص اهمية التركيز على التصدي للمروحيات واسقاطها. كذلك، فانهم اعلنوا عن اكتشاف مخزن لصواريخ ارض – جو حديثة. وتتناول الاتهامات، بهذا الصدد، ايران وسورية.
ومما لا شك فيه، أن هذين البلدين هما المعبر الممكن للاسلحة المتطورة الى المقاومين والمسلحين العراقيين، لكن مصدر هذه الاسلحة، هو بالتأكيد – روسيا. وواهم من يظن ان الروس يتاجرون بالجيل الجديد من الانظمة القتالية للمشاة، خارج منظور استراتيجي. ولا يستطيع الايرانيون – وبشكل أكبر – السوريون، شراء تلك الانظمة وتوريدها الى العراق، بمعزل عن ترتيبات سياسية واستخبارية مع موسكو. وسواء أكان الأمر يتعلق بالمقاومة اللبنانية ام المقاومة العراقية، فان التحالف السوري – الايراني له مظلة دولية، سياسية وتسليحية، هي المظلة الروسيّة.
روسيا تريد، بالطبع، الثأر من الامريكيين الذين تمكنوا من تقويض الامبراطورية السوفياتية، عبر الدعم السياسي والتسليحي، للمجاهدين الافغان. الآن، جاء دور تقويض الامبراطورية الامريكية، علماً بأن افغانستان المجاهدين تبدو لعبة امام الجحيم العراقي.
لكن روسيا تعمل على ما هو اكثرمن الثأر، بأن المرحلة الامريكية، بدءاً من الشرق الاوسط، هي في نهايتها أو – للدقة – في مرحلة بداية النهاية. وهي تريد تسريع هذا «الحدث الكوني» وتستعد لاستعادة مكانتها ودورها. ولكن يكون ذلك بالطرق السوفياتية العقائدية البطيئة المحسوبة الى حد الشلل، بل بالاساليب الروسيّة الأكثر ديناميكية ومخاطرة والأكثر فعالية والأكثر شباباً تحت قيادة فلاديمير بوتين، الرئيس البراجماتي ولكنه القوي والمصمم على بناء عالم متعدد الاقطاب، تحتل فيه روسيا موقعاً لائقاً بقدراتها.
من الخارج، تظهر علاقات موسكو مع طهران، أكثر غنى وتعدداً وقوة من العلاقات الروسية – السورية. لكن هذا أيضاً وهم آخر. فالكرملين يثق بالسوريين اكثر، وهو مستعد للتنسيق معهم في عدّة مجالات – وخصوصاً العراق – على نحو يتجاوز – احياناً – الايرانيين .. وربما – احياناً – ضدهم.
وهو ما يتطابق، بالمناسبة، مع موقف « المعارضة» الامريكية، فتوصيات بيكر – هاملتون، تفتح الباب أمام ايران، ولكنها تركز على التعاون مع سورية.
ولعل التوافق الروسي – الامريكي «المعارض»، على الاهمية الاستثنائية لسورية في العراق، يعكس حجم وجود دمشق وعلاقاتها في هذا البلد. وهي علاقات تتسم بأنها متحررة من المنظور المذهبي والمغامرات التقسيمية.
تلاحظون، بالطبع، أننا تجاهلنا الحديث عن خطة بوش – المالكي الأمنية. وذلك لسبب بسيط. وهي أن تلك الخطة، اصبحت – بعد اسبوع واحد من تطبيقها – جزءاً من الماضي، في حين ان مستقبل الاحداث في العراق اصبح مرتبطا بالأنظمة القتالية الروسية المطورة التي دخلت الى الميدان فعلاً، بكل ظلالها السياسية الدولية.
العناد الغبي لبوش الصغير، افقد الولايات المتحدة، فرصة بيكر – هاملتون الذهبيّة. وبمقابل التصعيد الفاشل للبيت الابيض في العراق، بدأ تصعيد روسي – سوري – ايراني .. سوف يشكل مرحلة جديدة من المقاومة المسلحة في بلاد الرافدين.
بقي الشرط الوحيد للنصر، الشرط الضروري والحاسم، وهو الشرط السياسي المتمثل في عملية سياسية وطنية عراقية مضادّة للعملية السياسية الامريكية الراهنة، وقادرة على توحيد العراقيين وراء شعار التحرير واعادة التأسيس والبناء.