ناهض حتّر
آسف لغيابي الاضطراري عن هذه الزاوية، ثلاثة ايام، انشغلت خلالها بالمناقشات الساخنة في «لقاء بيروت العالمي لدعم المقاومة» ومصدر هذا الغياب ليس الارهاق – مع انه شديد – ولكنه الاحباط.
كنت واحداً من اصدقاء حزب الله العرب، الذين قدموا الى بيروت للتضامن مع كفاحه البطولي ضد العدوان الاسرائيلي، ومع نضاله الداخلي ضد القوى المرتبطة بالمشروع الامريكي للشرق الاوسط، آملين في الوقت نفسه، باستنطاق تضامن علني من حزب الله مع المقاومة العراقية في مواجهة الاحتلال الامريكي وهيئاته الحكومية والامنية في العراق.
واقول: «استنطاق» و«علني»، لأن النقاشات الخاصة والمغلقة مع ممثلي حزب الله، لا تظهر خلافات رئيسية حول تحليل الموقف في العراق. ومع ذلك، فقد كان اتجاه منظمي لقاء بيروت اللبنانيين «حزب الله والحزب الشيوعي» الى التركيز على دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتجاهل المقاومة العراقية التي لم تذكر الا عرضا – وباستحياء – تحت ضغط الوفود العربية.
المقاومة في لبنان وفلسطين على الرأس والعين، لكن هذين البلدين، العزيزين طرفيان بينما مركز الصراع الاقليمي، ضد الاستعمار الامريكي، هو في العراق، فانتصار المقاومة في تحرير هذا البلد، وضمان وحدته واستقلاله وازدهاره يساوي الانهيار الشامل للمشروع الامريكي في المنطقة، ويخلق السياق التاريخي لنهضة الشعوب العربية، وانطلاق المرحلة الثانية من حركة التحرر الوطني العربية، في حين ان تحقيق كامل اهداف المقاومة اللبنانية وهي استرداد شبعا والحقوق المائية والاسرى وانجاز التوازن السياسي الداخلي في لبنان وتأمين الدفاع عنه – تظل محصورة في هذا البلد الصغير وكذلك.. فحتى اقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود الـ 67 – وهو هدف بعيد المنال – لن يغير الواقع الاستراتيجي العربي الذي سيتغير، جذريا عند هزيمة الاحتلال الامريكي ومشروعه في العراق.
كل قطرة دم سالت او تسيل في لبنان وفلسطين، تنزف من قلوبنا ومع ذلك، فنحن نتحدث، هنا، عن بضعة آلاف ،… لكن الاحتلال الامريكي وحلفاءه الطائفيين يشنون حرب ابادة حقيقية ضد الشعب العراقي المهدد بالفناء والتهجير خلال عقد واحد، اذا ما استمرت مستويات القتل والتشريد بالارقام الحالية – 650 الف ضحية وثلاثة ملايين مهجر في ثلاث سنوات ونصف – .
تقدمت الوفود العربية بمداخلات عديدة، تبلورت في اقتراح محدد يتمثل في تشكيل وفد لزيارة طهران، ومطالبتها بتغيير سياستها في العراق، بما في ذلك الاعتراف الصريح بالمقاومة العراقية وتقديم الدعم لها – حيث انتصارها هو الضمانة الاساسية لحماية ايران من العدوان الامريكي – وسحب الاعتراف الايراني بالعملية السياسية الامريكية – الطائفية في العراق، وقطع علاقاتها مع قوى التقسيم.
جرى – وياللاسف – رفض هذا الاقتراح من قبل اللبنانيين .وبعد حوار مضنٍ اتفقنا على صيغة مخففة للغاية، وذهبنا الى القاعة لاعلانها، وعندها فوجئت بالزميل اللبناني يعلن صيغة اخرى تماما، معدة مسبقا، غير تلك التي اتفقنا عليها.. فاعلنت ما حصل من تزوير، وانسحبت.
تذكرت – وانا اغادر القاعة – انني واجهت موقفا مماثلا في مؤتمر عقد في الاردن الصيف الماضي، واسفت حتى الالم لان كل القوى العربية – على الخلاف بينها – تريد المثقفين في مهرجانات تأييد، وتخلق اطراً ملونة للحوار الشكلي الذي يتبدد في النهاية لصالح الاوراق والمواقف المعدة مسبقا.
ما زلت، بالطبع، وسأظل في صف المقاومة اللبنانية ضد العدو الاسرائيلي، لكنني ما زلت على قناعتي بأن المهمة الرئيسية للمقاومة اللبنانية هي ان تقرع ابواب التاريخ وهذا ممكن، فقط، في العراق، لقد نشأ وضع معقد جداً في المنطقة اصبح حزب الله قادراً فيه على ان يلعب دوراً استثنائيا في ردم الهوة المذهبية في بلاد الرافدين واسقاط مشاريع التقسيم عندها، سوف تحصل المعارضة اللبنانية على المقاعد الحكومية كلها. وليس، فقط، الثلث الفاعل! وعندها سوف تهرول اليونيفيل من جنوب لبنان واسرائيل من شبعا، وامريكا من المنطقة كلها