خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح

ناهض حتّر
لأن الحرب الأهلية في فلسطين. هي كارثة جنونية على الشعب الشقيق – وعلى الاردن سواء بسواء – فاننا – رغم اعتراضنا المبدئي على السياسة الخارجية المصرية – نثمن التدخل المصري الذي أدى، أخيراً، الى اتفاق «فتح» و«حماس» على التهدئة، ولو مؤقتاً. فالتهدئة قد تفتح الباب امام حل وسط يستدرك الاقتتال تحت الاحتلال!

التهدئة .. ومن ثم المصالحة في فلسطين، مهمة عاجلة واساسية ومحورية بالنسبة للدولة الاردنية. ولذلك، ما زلنا نحار لماذا ينكص المسؤولون الاردنيون، حتى الآن، عن القيام بها؟

انهيار الكيان الفلسطيني، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وما سيليه من انفصال كيانيّ بين الضفة الغربية وغزة، سوف يؤديان الى نكبة جديدة وهجرة ديمغرافية – سياسية اخرى من فلسطين، لن تتأذى مصر منها كثيرا، ولكن الاردن هو الذي سيدفع ثمنها الباهظ، لانه، باختصار، ولأسباب معروفة، هو مقصد تلك الهجرة. والتي ستعصف، هذه المرة، بالكيان الاردني، بصورة غير مسبوقة. ومن العجيب ان هذا الخطر الداهم لا يقلق المسؤولين الاردنيين، ولا يدفعهم الى تطوير سياسات ايجابية وفعالة باتجاه المصالحة الفلسطينية. بالعكس، اختارت عمان، مقاطعة «حماس» وتعميق التحالف مع الرئاسة الفتحاوية و«فتح». وهكذا، اصبحت المداخلة الاردنية جزءا من المشكلة .. وليس الحل!.

ومن الطريف، ان المسؤولين الاردنيين، كانوا يبررون مقاطعتهم لـ «حماس»، حتى الامس، بالإشكال الامني المعلق مع الحركة، على خلفية قضية تهريب الاسلحة. وكأن هذه القضية الامنية الصغيرة – المطلوب معالجتها امنيا – اهم من ضرورات الدور الاردني الايجابي في فلسطين. وهو دور مرهون، بالطبع، بعلاقات اردنية ودية ومثابرة مع طرفي النزاع الفلسطيني.

من حسن الحظ أن القضية الامنية مع «حماس» اصبحت الآن وراءنا، وجرى، بالفعل، الافراج عن المعتقلين على ذمة تهريب السلاح. ولم يعد هناك ما يمنعنا من توجيه الدعوة الرسمية لرئيس الوزراء الفلسطيني، اسماعيل هنية، لزيارة عمان، واعادة ترتيب العلاقات الثنائية، بصورة تسمح للاردن، تقديم مداخلة من نوع جديد.

وربما تكون هذه المداخلة، رعاية لقاء مصالحة سياسية بين «فتح» و «حماس» في عاصمتنا، او ربما مبادرة متكاملة، شرط نجاحها ان تضع جانباً الشروط الامريكية – الاسرائيلية.

فكرة «حكومة التكنوقراط»، فكرة عملية فعلاً، اذا كانت جزءاً من حزمة متكاملة، منها اعتماد «وثيقة الاسرى» كأساس للبيان الوزاري، وفك الحصار عن الفلسطينيين من قبل العرب، والاتفاق على جدول زمني لاصلاح المنظمة، وتخويلها المفاوضات على أساس الثوابت.

ليس لدى امريكا واسرائيل – في المدى المنظور على الأقل – أية نية لتقديم عرض سياسي للفلسطينيين. ولذلك، فان الاقتتال الأهلي حول شروط العودة الى طاولة المفاوضات، هو بلا معنى. وبالمقابل، فان المهمات المطروحة اليوم، هي، كلها مهمات فلسطينية:

«1» إعادة تأسيس النظام السياسي الفلسطيني على أساس التعددية، وهو ما يتطلب من «فتح» القبول بالشراكة، وما يتطلب من «حماس» تطوير خطابها السياسي بما ينسجم مع اختيارها الاندراج في بنية «السلطة».

«2» الفصل بين الشأن الداخلي «المهمات الادارية والحياتية الملقاة على عاتق الحكومة الفلسطينية واداراتها»… وبين عملية المفاوضات «أو المقاومة…» فالشعب الفلسطيني يحتاج، في النهاية، الى ادارة مسؤولة ونزيهة ورشيدة.

«3» اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس الشراكة والمؤسسية، وتخويلها التفاوض على أسس مرجعية مكتوبة.

لدى المجتمع الفلسطيني كفاءات وكادرات أفضل – بكثير – مما لدى «فتح» و «حماس» وربما كانت حكومة مجتمعية مدنية هي خيار فلسطيني ضروري بمعزل عن الخلاف السياسي بين الفريقين. بالاضافة الى ان حكومة كتلك، محايدة سياسياً وملتزمة بالثوابت الوطنية، هي ضمانة لتجاوز الحرب الاهلية، وتفعيل المواجهة مع اسرائيل.

هذه الافكار – وسواها – يمكن ان تشكل إطاراً لمبادرة اردنية مطلوبة في فلسطين. وضمانات نجاحها «1» انهاء القطيعة مع حكومة «حماس» «2» والضغط على «فتح» لكي تستدرك مسؤولياتها الوطنية إزاء استمرارية الكيان الفلسطيني «3» التمرد الاردني – والعربي – على الحصار المفروض على الفلسطينيين «4» الربط بين العلاقات الثنائية مع اسرائيل.. وبين مواقفها من الشعب الفلسطيني، خطوة بخطوة، وعلى المستوى الاستراتيجي ايضاً. فلا يمكن للمعاهدة الاردنية – الاسرائيلية، ان تستمر اذا لم ينسحب الاحتلال الاسرائيلي الى حدود الـ ،67 واذا لم يتمكن الفلسطينيون من العودة الى بلادهم. ولا يمكن تأجيل حل هاتين القضيتين الى ما لا نهاية.

Posted in Uncategorized.