ناهض حتّر
وصلتني دعوة الجمعية الاردنية لمناهضة العولمة الرأسمالية والمنتدى الاجتماعي الاردني، للاحتفال بالذكرى الـ 77 لانعقاد المؤتمر الوطني الاردني الاول “1928” والتي تصادف في 25 تموز الحالي.
ولم اجد غرابة في الامر. فخط مناهضة العولمة الرأسمالية يستنهض الذاكرة الوطنية. وابداعات المجتمعات المحلية في الدفاع عن وجودها وهويتها ومصالحها وحقها في التقدم المستقل والديمقراطية.
غير ان ما ادهشني عند العودة الى نص «الميثاق الوطني الاردني» الصادر عن ذلك المؤتمر الذي حضره، وقتذاك، المثقفون وشيوخ العشائر- في ائتلاف فريد بين القوى التقليدية والحديثة- هو ذلك الابداع في اكتشاف الحلقة الضائعة في الازمة الاقتصادية التي ولدت مع الدولة الاردنية الحديثة، ورافقتها حتى الان. وكأن قدر الاردن ان يعيش على الاعالة الخارجية، وإفقار الشعب.
يقول «الميثاق» ما يلي: «ترى شرقي الاردن ان مواردها – اذا منحت حق الخيار بتنظيم حكومتها المدنية – كافية لقيام ادارة دستورية صالحة» وهذا معناه ان ازمة الاقتصاد الوطني هي، في العمق، ازمة ادارة ذلك الاقتصاد. فاذا تمكن الاردنيون من ادارة مواردهم، بوسائل الحكم المدني الدستوري الذي يرتب الاولويات ويتعامل مع الضرورات، ويتوخى العدالة الاجتماعية، فان البلاد الاردنية ليست بحاجة الى المساعدات الاجنبية والقروض وحَلْب الفقراء، من اجل تأمين مستوى معيشي اوروبي لطبقة محدودة معدودة من الاغنياء والمتنفذين.
ما يزال الوضع – مثلما كان في العام 1928: المواطن الفقير هو الذي يدفع ثمن ترف الاغنياء وفشل عباقرة الاقتصاد واسرافهم، مثلما يدفع ثمن الفساد والمشاريع غير الضرورية، والتسهيلات الممنوحة للمستثمرين الاجانب ووكلائهم المحليين.
كان الاردنيون في العام 1928 اقرب الى العهد الذي كان الشعب الاردني يعيش خلاله من دون مساعدات وقروض، ويؤمن مستلزمات حياته، غير مضطر لتحمل اعباء حياة وارباح طبقة بورجوازية لم تكن موجودة. ولذلك فان واضعي الميثاق الوطني لسنة ،28 كانوا على مقربة من الحقيقة.. التي اصبحت الان ضائعة.
سوف ندهش، ايضاً، للوعي الدستوري الديمقراطي الرفيع عند اجدادنا «العشائريين» ففي «الميثاق»، كذلك، ان «امارة شرقي الاردن دولة عربية مستقلة بحدودها الطبيعية المعروفة» فهل قرأ الاستاذ محمد حسنين هيكل هذه الوثيقة. ليعرف ان ما يسميه «منطقة ضائعة بلا اسم» هي وطن شعب يعرف «حدود بلده الطبيعية»؟!
في الميثاق، ايضا، نص على رفض «وعد بلفور» ورفض «كل انتخاب للنيابة العامة على غير قواعد التمثيل الصحيح» وتأكيد على المسؤولية المشتركة للحكومة امام المجلس النيابي. وكذلك: «لا تعترف شرقي الاردن بكل قرض مالي وقع قبل تشكيل المجلس النيابي» (علماً بان معظم مديونيتنا الحاضرة وقعت في فترة غياب الحياة النيابية قبل 89».
– «تعتبر شرقي الاردن كل تشريع استثنائي.. باطلاً»
– «لا يجوز التصرف بالاراضي الاميرية قبل عرضها على المجلس النيابي، وتصديقه عليها.»