ناهض حتّر
تصريحات المهندس علي أبو الراغب لـ “العرب اليوم” (امس) تعبر عن حكمة وحنكة واحساس بالمسؤولية الوطنية ازاء الدولة والمجتمع الاردنيين من قبل «ليبرالي» تقليدي.
ولا اريد، هنا، ان استعيد جملة المواقف التي طرحها ابو الحسن، وحازت على اعجابي واعجاب العديدين. ولكنني اقف، فقط، عند التساؤل الذي اطلقه بعضهم عن «الحكمة بأثر رجعي» لدولة الرئيس الذي – على العكس من بعض سياسات حكوماته – يؤكد على دور البرلمان في حياة البلد، ويدعو الى التوازن بين الاصلاحات الاقتصادية ومصالح المجتمع، ويدافع عن الكيان الاردني وهوية الدولة، ويهاجم، علناً، الليبراليين الجدد وبرنامجهم التفكيكي والمتأمرك.
ولم لا؟ التجربة تصنع الحكمة، وتبصّر السياسي، وتعيد صياغته. وأنا أميل الى انه لو عاد ابو الراغب الى «الدوار الرابع»، الان، فانه سيكون اقرب الى روح تصريحاته المنشورة في صحيفتنا امس، منه الى ابو الراغب سنة 2000 – .2003
لقد الّفت كتاباً كاملاً في نقد حكومات علي ابو الراغب وسياساتها. وكانت تجربته الحكومية، مركز اهتمامي البحثي، لأنها هي التي اسست واطلقت برامج وقوى الليبرالية الجديدة. وهكذا، فربما كنت اعرف المعلقين بعيوب التجربة، واكثر نقادها مثابرة، ومع ذلك، فقد قرأت تصريحات الرجل بانتباه، شاعراً باننا نلتقي في منتصف الطريق.
ابو الحسن لم يكن مسؤولا – كشخص – عن سياسات مقررة ينفذها، ولا عن المجموعة الليبرالية الجديدة التي احتمت بظلاله – وعملت ضده – ولكنه مسؤول، في النهاية، سياسياً – كرئيس وزراء – عن كل سياسات حكومته واجراءاتها ووزرائها. وهذا درس في السياسة لا يتعلمه «اصحاب الدولة» الاردنيون.. الا متأخرين.
منصب «صاحب الدولة» مغر. ولكن الرئيس الذي يريد ان يظل حاضراً في السياسة الوطنية وذاكرة الشعب، عليه ان يتحفظ عن تقديم تنازلات في تشكيل حكومته وقراراتها، لأنه هو الذي يتحمل، في النهاية، المسؤولية امام التاريخ، ثم ان عليه ان يعرف متى يغادر. وكمثال، كانت قوة ابو الراغب السياسية نابعة من كونه صديقاً لعراق صدام حسين. ولو انه غادر موقعه قبيل الحرب او بعدها مباشرة، واعرب، لاحقاً، عن تضامنه العلني مع المقاومة العراقية. اذن، لاصبح زعيماً وطنياً.
يستطيع ابو الراغب ان يلعب دوراً ايجابياً في بلورة تيار ليبرالي وطني في السياسة الاردنية. ولكن بشرط ان يقوم بنقد تجربته، وخصوصاً: حل البرلمان واصدار 211 قانوناً مؤقتاً. وهو ما اعتبرناه، دائماً، اكبر خرق حصل للدستور الاردني.