منذ الـ 29

ناهض حتّر
منذ الـ ،1929 لاحظ المؤتمر الوطني الاردني الأول، ان البلاد ليست في حاجة الى المساعدات الخارجية، وان مواردها كافية لتغطية احتياجاتها، اذا ما تحققت شروط ضبط التحصيل وضبط الانفاق وتلافي الهدر، وتخصيص الموارد المحلية، بعقلانية وكفاءة، على اساس أولوية تمويل الخدمات العامة الاكثر ضرورة.
وفي هذه النقطة الجوهرية، بالذات، ما زلنا نقف عند ال-29 ،غير ان الارقام تضخمت، والتجاوزات كسرت كل القيود.
لا يقل الدخل الفائت على الخزينة في ملابسات قضية شركة الاتصالات الخلوية “أمنية” عن ثلاثمئة مليون دينار، بما يوازي معظم المساعدات الخارجية للسنة نفسها التي حدثت فيها القضية. وهي واحدة من جملة قضايا، أدت الى تفويت اموال طائلة على الخزينة، ليس لصالح تخفيض الاعباء عن كاهل المجتمع او جمهور المستثمرين، بل لصالح اشخاص وفئات من الاقلية المحظوظة.
بالمقابل، نرى الحكومة تقرر إنفاق ثلاثين مليون دينار على بناء مجمع لوزارة المالية، والطلب الى “الضمان الاجتماعي”، الاستثمار في تملك مبان للسفارات ومساكن السفراء بقيمة 100 مليون دينار! فهل يقع ذلك في أولويات بلد مدين يضطر ابناؤه – من الفئات الوسطى – الى الاقتراض من البنوك لتأمين ثمن السولار المنزلي، بينما يضطر فقراؤه الى احتطاب الاشجار الحرجية؟
ما هي المعايير التي تملي هكذا قرار – وأمثاله – سوى النزعة البيروقراطية التقليدية الى التوسع في الانفاق وعلى حساب الاولويات الاجتماعية؟ وعندما نتحدث عن “المعايير” فإننا نتحدث عن نمط من الانفاق الترفي وليس، فقط، عن هذه الحالة او تلك.
وربما يخدم هذا النمط الانفاقي، مصالح خاصة، وربما لا. فالمهم هو النمط نفسه، المرتبط، عضويا، بعقلية الحصول على المساعدات والقروض. وبالمحصلة، فإننا امام أزمة دائرية لا مخرج منها، في ادارة المالية العامة للدولة، تنعكس، داخليا، في صورة ضغوط متصاعدة على المستوى المعيشي للاغلبية الشعبية ومستوى الخدمات العامة وقدراتها، وتنعكس، خارجيا، في صورة التزامات تحد من حرية القرار الوطني، لقاء المساعدات والقروض.
هل يمكننا الخروج – موضوعيا – من هذه الدائرة من الانفاق خارج الاولويات – واستهلاك الاموال العامة، خارج الدورة الاقتصادية الاجتماعية الوطنية، وتغطية العجز، بالتالي، بالمساعدات والقروض او الضغط على اموال الخصخصة او اموال “الضمان الاجتماعي”؟
لقد أجاب الفكر السياسي الاردني على هذا السؤال الكبير، منذ العام ،29 بالايجاب، لكننا لم نتوصل لحشد الموارد الداخلية والمساعدات في البناء الداخلي – وفق الاولويات الاجتماعية – الا في فترات محدودة.

* * *

شكا لي طبيب اسنان من “صحة” الشوبك، ان عيادته – الحكومية – لا تتوفر على الادوات اللازمة لمعالجة العديد من الحالات، بينما المواطن الشوبكي البسيط لا يستطيع ان يدفع للعلاج في عيادة خاصة.
هل يمكنكم، أيها السادة احتمال وجع الاسنان؟
ان الآلاف من أبناء شعبنا في المحافظات تنغلق امام شبابهم فرص العمل .. ولعل هذه هي القضية، بل قضية القضايا.
تجهيز عيادات الريف اولى من مجمع وزاري جديد.
واستثمار مئة مليون دينار في مشاريع التنمية المحلية، وتوليد فرص عمل مجزية، أولى من مساكن السفراء.

وضبط تحصيل الموارد، أولى من البحث عن المساعدات والفرق، أكثر فأكثر، في الديون.

* * *
مشكلتنا أننا أمام نوعين من المسؤولين: أحدهما ليبرالي منبت الصلة بالمجتمع وقضاياه، وثانيهما آت من قلب المجتمع، لكنه نسي ألم الأسنان، وألم الانسان المقهور.

Posted in Uncategorized.