ناهض حتّر
فجأة، بدا رئيس الوزراء د. معروف البخيت، وكأنه فقد حظوته لدى الرأي العام، والنقطة الحرجة ان اصدقاءه- بالمعنى السياسي- لم يعودوا قادرين على الدفاع عنه او مهتمين بذلك.
لقد اظهرت حكومة البخيت – في سلسلة مواقف متلاحقة معروفة – افتقارها الى الحس السياسي والتماسك والديناميكية، في حين انها لم تقدم لانصار التيار الوطني والاجتماعي، أية انجازات، وهي الآن معلقة في الهواء.
هل يعدّ ذلك انجازا لمراكز القوى من الليبراليين الجدد – وهي التي طالما نظمت حملات ضد حكومة د. البخيت؟ نعم، بالتأكيد. ولكن هذا الانجاز لن يمنحها شيئا على المدى الابعد. فمراكز القوى تلك معزولة شعبيا بصورة خانقة، بحيث انها لا تستطيع تشكيل حكومة قوية مقبولة او اجراء انتخابات عامة تؤدي الى برلمان يؤيدها. وستظل محرومة من الوصول الى «الدوار الرابع» لصالح شخصيات وتوليفات «مقبولة» وطنيا واجتماعيا، وتستطيع تمرير سياسات مراكز القوى، المحكومة بأن تظل وراء الكواليس، او انها تتورط في تشكيل حكومة لا تصمد بضعة اشهر، تقضيها في صد هجمات القوى التقليدية والمعارضة معا، مثلما حدث مع حكومة الدكتور عدنان بدران.
توازن القوى الاجتماعية – السياسية في الاردن، حساس جدا الى درجة الشلل. فالجهات والبرامج المسيطرة ليس لها جذور او نفوذ او شعبية، ولا غنى لها – من اجل ممارسة الحكم -عن الاستعانة بأعضاء «النخبة السياسية» التي تحظى بالدعم الاجتماعي والسياسي من دون ان تكون قادرة على تنفيذ برامج مضادة.
وقد أدت تفاعلات هذا المأزق الى الاستهلاك المتسارع للنخبة في حكومات متعاقبة، سرعان ما تفقد، هي الاخرى، صدقيتها وشعبيتها لعجزها عن ممارسة الحكم .. فهي مكبلة، في كل كبيرة وصغيرة، بنفوذ الليبراليين الجدد.
ومن النافل القول ان الشخصيات المقبولة اجتماعيا وسياسيا من النخبة التقليدية هي نوعان (1) شخصيات ذات تجربة وفعالية وحضور وديناميكية – وهي لن تقبل بالتبعية الكاملة لليبرالية الجديدة – و (2) شخصيات مستعدة للمساومة والتعاطي والقبول بالمنهج المسيطر، وهي تتحول بذلك، من فئة السياسيين الى فئة الموظفين.
لكن المشكلة ان «الدوار الرابع» هو موقع سياسي، وتتطلب ادارته – بصورة كفؤة- سياسيين.
والحل الديمقراطي ليس وصفة بسيطة لتجاوز هذا المأزق، فأيّ انتخابات حرة ونزيهة – وفق قانون ديمقراطي – سوف تؤدي الى برلمان اكثر تجذرا وقوة وذي اتجاهات اجتماعية ووطنية وقومية تتعارض، بحدة، مع مراكز القوى، ونحن نريد ذلك حتما، الا ان المجتمع الاردني لا يملك، بعد، القدرة على انجاز هذا التطور الضروري، بينما تضغط مراكز القوى – بالمقابل – وهي ذات جول وصول – لتأجيل الاستحقاقات الديمقراطية وتلجأ الى حكومات «مقبولة» ولكنها مقيدة وضعيفة ومشكلة من الصف الثاني، ما يجعل اداءها سيئا، وتخسر حضورها بسرعة، خصوصا ان مراكز القوى سوف تبدأ على الفور، بحملات لتحجيم تلك الحكومات التي يشلها الخوف والارتباك وتلجأ الى العزلة، وتدخل في ما يشبه الغيبوبة.
لا مناص، بالطبع، من الحل الديمقراطي، لكن هناك مقدمة لا بد منها تكمن في الحل السياسي- الاجتماعي، للتوصل الى تفاهمات كبرى في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية، من شأنها – اي تلك التفاهمات – ايجاد صيغة للاجماع الوطني حول الاستراتيجيات. وستكون هذه «التفاهمات» اساساً لتحريك الحياة السياسية، وتفكيك مراكز القوى، وفتح الطريق امام ولادة عملية ديمقراطية تستوعب الاتجاهات، وتولفها، في برلمان قوي، وحكومة تستعيد كامل حضورها وصلاحياتها الدستورية، وتكون قادرة على تقديم وممارسة برنامج حكومي يقوم على التوافق الوطني.
المأزق
Posted in Uncategorized.