ناهض حتّر
لا تنشأ التيارات السياسية بقرار او برغبة او بترخيص او بمحاولات لانقاذ او استدراك اشتات ايديولوجية وحزبية فائتة، بل هي تنشأ من ضرورة موضوعية في سياق تاريخي عياني.
وبطبيعة الحال، فلا بد للضروة الموضوعية من ان تتلاقى مع ارادة نخبة فاعلة متحررة من ذهنية الماضي والاعتبارات الشخصية والازداوجية الاخلاقية بين المشروع الخاص والمشروع العام، نخبة تتماهى، كليا مع الدور التاريخي المنوط بها، ولا ترى في السياسة سُلّما للارتقاء الشخصي، بل مجالا لازدهار الشخصية والابداع.
في الاردن، تجمدت الحياة السياسية على استقطاب مزمن بين «1» تيارات وطنية «اسلامية وقوية ويسارية وبيرقراطية من الحرس القديم» لكنها، على اختلافها، ماضوية، وعاجزة، بالتالي، عن ادراك المتطلبات التاريخية للتقدم الاردني، وبين «2» تيارات تحديثية، ولكنه ليبرالية ومتغربة، وعاجزة، بالتالي، عن التجذر الوطني او الاجتماعي، ما يجعلها معزولة سياسيا، وسلطوية، ولا تعبر، في النهاية، الا عن شبكة مصالح فئوية وشخصية.
على هذه الخلفية، تنشأ الضرورة التاريخية لقيام تيار وطني تقدمي في الاردن.
وطني بالمعنيين «1»، محلي «2» وتحرري سيادي.
وتقدمي بالمعنيين «1» تحديثي تنموي «2»، ومعبر عن تطلعات الفئات الشعبية ليس فقط نحو تحسين وانما ازدهار حياتها الاقتصادية والثقافية.
من واجب التيار الوطني – التقدمي، تعبئة الفئات الاجتماعية الوطنية الشعبية، وتنظيم ثقافتها وحراكها السياسي من انجاز المهمات التاريخية الثلاث للتقدم الاردني. وهي: «1» بناء الدولة الاردنية الديمقراطية السيدة المستقلة الفاعلة، اقليميا ودوليا، وتجهيز قدراتها التنظيمية والادارية والدفاعية.
(2) تحقيق اختراق تنموي وطني رئيسي – يتمحور حوله الاقتصاد الوطني – وتحشيد القدرات الاجتماعية الذاتية في سياق المنافسة الاقتصادية الاقليمية والدولية.
(3) تحقيق البناء الفكري والتنظيمي والدستوري للديمقراطية الاجتماعية على مبادئ المساواة، واولوية المصالح الاجتماعية، وتعزيز الدور الاقتصادي – الاجتماعي للدولة «قيادة العملية التنموية، والتحديث والنهوض بالخدمات العامة المجانية في التعليم والطبابة والرعاية الاجتماعية.. الخ».
واذا كانت هذه الطموحات كبيرة، فلأننا امام خيار استراتيجي، فاما ان نكون دولة فاعلة على مستوى العصر، منافسة، قوية مبدعة.. او لا نكون.
لا معنى للحياة من دون مشروع وطني، ولا معنى للمشروع الوطني اذا لم يكن يتطلع الى المنافسة الدولية، واذا لم يكن مجالا لازدهار حياة المجتمع، واذا لم يكن محصنا بقدرات دفاعية تضع حدا للمخاطر والتهديدات والمؤثرات الخارجية.
لا نريد تحديث قطاعات اقتصادية لمصلحة حفنة من المستثمرين الاجانب وشركائهم المحليين، بل نريد تحديثا شاملا عضويا ونهضة اقتصادية – اجتماعية بلا حدود، بمشاركة المجتمع كله، في سياق وطني.
لا نستطيع ان نظل قابعين في موقع الدفاع البدائي في النفس، في مهب الريح، نتوسل الحلول والادوار، ونطلب المساعدات لادارة الفقر.
يمكننا – ويتوجب علينا – ان نقتحم الحياة… فالنجاة بالاقتحام.