“الاردن الى اين”؟

ناهض حتّر
جميع الكيانات والهويات الوطنية في المشرق العربي – ما عدا مصر – حديثة، ومتساوية من حيث شرعيتها التاريخية. ولقد عاشت – وما تزال – على توتر عميق بين الهويات المحلية المناطقية والطائفية والاثنية – التي تبلورت في الاوان العثماني – وبين الهوية القومية العربية. فهي مطعون بها من اسفل ومن اعلى، لكنها، مع ذلك، صمدت، ليس فقط لانها بنى في منظومة اقليمية ودولية ضاغطة، ولكن، ايضاً، لانها قطعت اشواطاً في التبلور الذاتي في اطار الدولة الوطنية.

وهذا ينطبق، بالقدر نفسه، على لبنان وسورية والاردن والعراق والفلسطينيين ودول الخليج. ومع ان الهوية الاردنية هي الاكثر انسجاماً من النواحي الاثنية والدينية والطائفية والاجتماعية «ذلك ان الاغلبية الساحقة من الاردنيين عرب سنة من ابناء العشائر، الذين ابتكروا صيغاً خلاقة لادماج العشائر المسيحية» الا ان الهوية الوطنية الاردنية، هي الاكثر عرضة للتشكيك والهجوم واللعنة. وهو ما يفتقر الى العدالة والنزاهة معاً، ويضمر، تحت شعارات شتى زائفة، الرغبة في التساوق مع المشروع الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن.

وآخر الهجمات على الوطنية الاردنية، جاء من اردني، في اطروحة مازوشية تستلذ اهانة الذات الوطنية، بل وانكارها، في قراءة اعتباطية، انتقائية، متحيزة ومزدوجة المعايير، تطمس – عمداً – جميع الشواهد التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية والابداعية التي تبرهن على عكس ما يريده – مسبقاً – وهيب الشاعر في كتابه «الاردن .. الى اين؟» فهو مشغوف بالتأكيد على ان الكيان الاردني فائض عن الحاجة، ووجوده – بحد ذاته – مصدر ازمته، وان الاردنيين بلا هوية وطنية او فعالية تاريخية او قدرة على ادامة وصيانة كيانهم الوطني «ص 17 – ص 48» وهو يتجاهل – ولا يناقش بالطبع – الشواهد ووجهات النظر المضادة.

يتوقع الشاعر ان يندمج الاردنيون في الهوية الوطنية الفلسطينية «ص 84» لكن السيناريو «الاكثر واقعية وعقلانية» – بالنسبة اليه – هو العودة الى المشروع المتمثل في اقامة اتحاد ثلاثي ين الاردن وفلسطين واسرائيل، ينتقل اليه اللاجئون الفلسطينيون في سورية ولبنان «ص90» ويأمل الشاعر ان يلعب هذا الاتحاد «دورا قيادياً» في المنطقة، خصوصاً لجهة اقامة «فدرالية سورية» من شأنها ان تلحق بالمستويات الاوروبية «ص91».

هكذا نفهم لماذا يضحي الشاعر بالاردن والاردنيين والوطنية الاردنية.

انه يثير، دخاناً من السرطانات التي تتملق الهويات الوطنية الاخرى، وتغازل القوميين، وتبشر المعارضين الديمقراطيين بالنعيم الاسرائىلي!

أدعو «المطبوعات» الى السماح فوراً بتوزيع هذا الكتاب في الاردن الذي لن يثير عند الاردنيين، سوى الاستغراب.

Posted in Uncategorized.