ناهض حتّر
تحت ملمتر واحد من قشرة هشة، ينبع العداء العربي لاسرائيل. تحت جلد العربي العادي المسالم الراضي، يكمن مقاتل معبأ ضد اسرائىل. اقصفْ اسرائىل لكي تصبح بطلا، واقترب منها لكي تفقد شرعيتك. اية اطروحة – بغض النظر عما تتضمنه من ملاحظات صحيحة – سوف تصبح مشبوهة اذا كانت تتقاطع مع الاطروحات الاسرائىلية. الاطروحات المعادية لاسرائيل لها صدقية وشعبية في كل الاحوال. فماذا اذا كانت لديك القدرة على مجابهة اسرائيل، وإذلالها؟ ماذا اذا كانت لديك اطروحة صحيحة وذات صدقية ومشفوعة بالاعمال؟ عندها، سوف تملك العقول والقلوب في العالم العربي كله.
قامت اسرائيل على اغتصاب ارض عربية، وتشريد شعب عربي. تصدّت وكسرت احلام العرب بالوحدة والتقدم الاجتماعي، حطمت الناصرية، والمقاومة الفلسطينية، واعتدت على مصر وسورية والاردن ولبنان.. والعراق. منذ ال¯ 67 وهي تحتل القدس وتهوّدها، والضفة الغربية، وغزة والجولان. بين ال¯ 67 و ال¯ ،1970 دمرت القرى وقتلت الاطفال في مصر كما في الاردن. وهي ما تزال تفعل الشيء نفسه في فلسطين ولبنان.
التدمير، القتل، الصلافة، التسلّح حتى الاسنان، الرفض المستمر لتنفيذ القرارات الدولية، تقويض «العملية السلمية». الرد على عروض السلام.. بالحرب.
طوال تاريخها الاسود، لم تقدم اسرائيل، مبادرة واحدة ايجابيّة. انها، فقط، تجلب الدمار او تفرض الاستسلام غير المشروط، مستخدمة آلتها العسكرية الجبّارة. تستولي على حقوق الاخرين، بالقوة او بالمفاوضات. لا تنفك عن حَبْك المؤامرات.. استراتيجيتها هي تدمير العالم العربي، وتقسيمه، وتحطيم مجتمعاته ودوله واخضاعه، بالوسائل الحربية او الدبلوماسّية.
مثلما كان الحال منذ العام 48 ، و 67: اسرائيل تمنع الشعب الفلسطيني من بناء دولته، ومن العودة الى ارضه. تشل مصر ودورها القيادي. تفجر المساجد والحسينيات في العراق، وتعمل، بالحاح، لتفجير الحرب الاهلية، قرارها اغتصاب والحاق الجولان السوري، وفرض الوصاية على لبنان.
لا يمر وقت حتى تبدد اسرائيل، الاوهام حول التعايش السلمي في المنطقة. تستخدم قواتها بصورة انتقاميّة اجراميّة حاقدة مثلما يحدث في غزة، ومثلما حدث في لبنان على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً من قتل الاطفال اللبنانيين وهدم البنى التحتية والبنايات والمنازل.
هذا كلّه، وسواه من الآلام والتجارب الشخصّية للاجيال العربية، «تحت الجلد» يعبر عن نفسه هنا وهناك، في خطابات سياسيّة معارضة، في الاصولية والتطرف. وفي سيكولوجّية المقاطعة. لكن ردّ الفعل الجماعي يشلّه الخوف من هزيمة جديدة.
واذا عدنا للخطاب الرسمي العربي – وتابعه الاعلامي – في بداية الحرب اللبنانية – الاسرائىلية، سوف نلاحظ تركيز ذلك الخطاب على «المغامرة» والتذكير بالهزائم العربيّة المتتالية. هذه هي «نقطة الضعف» التي استخدمها الخطاب الرسمي لمواجهة الوعي الشعبي. وهو منطق يعترف، ضمناً، بواقع وشرعية العداء لاسرائيل، ولكنه يخوّف الشعوب من النتائج الكارثية لمواجهة محسومة مسبقاً لصالح اسرائيل.
المفاجأة التي قوّضت هذا المنطق، تمثلت في صمود حزب الله ولبنان، ثم في الحاق الهزيمة بقوّة الردع الاسرائىلية.
الخطاب الرسمي العربي فقد، اذن، شرعيته، وفي الوقت نفسه، انكشف ادعاؤه «بالعقلانية» ولم يعد تخويفه للجماهير بهزيمة عربية جديدة، مجدياً. فما برهن حزب الله عليه هو انه يمكن مواجهة اسرائيل وهزيمتها.
الشعور، العميق بالمظلوميّة ازاء اسرائيل، والعداء الاستراتيجي للدولة العبرية، مشفوعين بالثقة بامكانية المواجهة والنصر، وعجز النظام العربي الرسمي عن تقديم البديل.. كلها عناصر تكوينية لقنبلة اضخم، مئات المرات، من القنبلة النووية الايرانية. هذه القنبلة الجبارة تحتاج فقط الى صاعق.