ناهض حتّر
مضت اربع سنوات كاملة على الغزو الأمريكي للعراق. وهي تمثل الجزء الاخير من الحرب الاجرامية الطويلة التي تشنها الامبريالية على هذا البلد منذ ،1991 وتسببت في مقتل او وفاة حوالي مليوني عراقي وتهجير حوالي اربعة ملايين آخرين، وتدمير البيئة والمنجزات والدولة والمؤسسات في العراق على مدى حوالي عقدين.
يقع العراق في صلب العقيدة الاستعمارية الامريكية – لما بعد الحرب الباردة فاخضاع هذا البلد، خطوة لا غنى عنها من أجل تأمين القدرة الاستراتيجية اللازمة للولايات المتحدة لضمان استمرار استلحاق أوروبا والتصدي للتحديات الدولية، ولا سيما التقدم الصيني ونهضة روسيا.
في قلب هذه القدرة يقع النفط العراقي – والعربي والايراني – ولا يقلّ موقع العراق الجيوسياسي، أهميّةً أيضاً. وكذلك: تأمين اسرائىل ونظام الهيمنة الامريكية في الشرق الاوسط.
الا أن النقطة الجوهرية التي توجه الاستراتيجية الامريكية حيال العراق، هي تلافي احتمال نهضة عراقية، لها مقومات ظاهرة من الكثافة السكانية والتطور الاجتماعي والثروة والنخبة التكنولوجية والعسكرية والاكتناز الثقافي. ومن المفروغ منه ان نهضة العراق سيكون لها نتائج ثورية، عربياً واقليمياً ودولياً.
وليس من دون اساس أن المثقفين العروبيين كانوا يتطلعون الى العراق منذ الثلاثينات – باعتباره “بروسيا العرب” وهو دور انتزعته مصر – في حقبة عبد الناصر – ثم تبين، لاحقا ان العناصر التكوينية للمشروع العراقي، ترجح بغداد، اكثر، للدور القيادي. ومن الملاحظ انه بينما جرى اخضاع المقاومة المصرية بعد ،1973 فان العراق لا يزال يقاوم – بضراوة – بعد حربين مدمرتين متصلتين: الحرب الايرانية “- 80 – 1988” والحرب الامريكية “1991 – ؟” وانه لمن المدهش حقا ان العراق لا يزال قادراً على القتال وتقديم التضحيات الجسام بعد 27 عاما من الحروب. والمدهش أكثر ما نراه من عزيمة العراقيين الاحرار على تحقيق النصر وهزيمة الغزاة الامريكيين والتدخل الايراني والنزاعات الانفصالية.
على هذه الخلفية فقط نستطيع ان نفهم دوافع الخطط الاجرامية الامريكية نحو تدمير المجتمع العراقي وابادة العراقيين، من خلال تسييس التعددية المذهبية، واصطناع الاقتتال الاهلي، وصولاً الى تمزيق النسيج الاجتماعي – الثقافي، وابادة النخب الوطنية، وافراغ العراق بالتهجير المستمر.
“العناد” الامريكي يقابله عناد عراقي اكثر صلابة وتصميماً، والحصيلة الاولى للسنوات الاربع الماضية من الغزو والاحتلال، هي أن صراع الارادات لا يزال في أوجه، لكن مع فارق اساسي هو ان الغزاة استنفدوا – من دون جدوى – معظم طاقاتهم السياسية والعسكرية، بينما لم يستعمل العراقيون الا جزءاً يسيرا من قدراتهم الممكنة.
فالمقاومة التي عرقلت “الامبراطورية” الامريكية في العراق، هي، حتى الآن جزئية، ولم تنتشر، بعد، الى محافظات الوسط والجنوب الاكثر كثافة.
كذلك، فان المخزون السياسي والثقافي للحركة الوطنية العراقية، لم يظهر بعد، في مشروع تحرري حديث يعبّر عن وحدة المجتمع العراقي.
وربما يكون انتشار المقاومة مرهوناً بانجاز “المشروع” ذاك، لكن انفجار المحافظات التي لا تزال “هادئة” نسبياً، ربما يسبق ذلك، ويقود اليه.
ليس لدي اي شك في هزيمة الاستعمار الامريكي في العراق ،ولا يقع ذلك في باب التفاؤل التاريخي او الحتمية أو القدرية، ولكنه استنتاج نابع من استحالة الكولونيالية – الاستعمار المباشر – بعد ما يقرب القرن من نشوء نظام الدول الوطنية على الصعيد العالمي وأفول النظام الاستعماري القديم.
“فالامبراطورية” الامريكية، هنا تعاند التاريخ. وفي الوقت نفسه فهي لا تملك الأدوات السياسية العراقية التي تمكنها من بناء نظام محلي تابع في بلد الثورات.
ما يؤرقني هو تحويل الهزيمة الامريكية الى انتصار للعراق. وهذا مرهون بوحدة العراقيين الاحرار وراء مشروع وطني توحيدي تقدمي.
اليوم 19/3 /2007 ذكرى الغزو الاسود الرابعة: ولا يزال القتال مستمراً على الجبهة العراقية، ولا يزال الأمل ممكناً! عاش العراق.