ناهض حتّر
قوبلت وزارة الدكتور محمد العوران، بهجمة من قبل احزاب المعارضة. فهي اعتبرت العوران – وهو الامين العام لواحد منها – بمثابة نكوص عن خطها، وتراجع عن المبادئ، وانتقال الى خندق الحكومة.
لكن «معالي الوزير» فاجأ المعارضين باعلانه، غير مرة، التمسك بخطاب المعارضة. بل انه تشدد في لهجته. وأوغل في نقده، وبكى الرئيس الراحل صدام حسين … وزاد.
لقد بدا، واضحا، ان العوران حريص على اقناع نقاده بأنه – على الرغم من مشاركته في الحكومة – فهو لم يتبنّ نهجها بالكامل.
رئيس الوزراء د. معروف البخيت، وجد نفسه في موقف حرج. ولكن العوران يقول – عن حق – ان البخيت يعرف مواقفه والتزاماته، ولا بد انه اخذها بالاعتبار عندما وزّره.
انا، ايضا. كنت اظن ذلك! ولقد حسبتُ ان د. البخيت، اراد ان يضم لونا مختلفا لحكومته، لتعزيزها في صراعات مراكز القوى، وتحسين صورتها الشعبية.
لا بد وان هذا او بعضه كان في ذهن الرئيس. ولذلك، فهو لم يلتق العوران، قبل الوزارة: ولم يتفاهما على سياق، تاركا الامر لنباهة الوزير، بينما وجد الاخير نفسه، مضطرا لتأكيد ذاته امام هجمة رفاقه المعارضين.
ولا استبعد ان يكون الرئيس لم يملك وقتا كافيا لانضاج الفكرة، او انه قدّر التفاهم مع وزيره المعارض بالتلباثي – التخاطر – العوران، من جهته، سعيد – كأي اردني تقليدي – بالوزارة، وسعيد – كأي مثقف اردني – يخاطب المعارضة.
ومذهبي في هذه القضية انه لا توجد مشكلة على الاطلاق، طالما ان الممارسة السياسية الاردنية لا تتعدى في النهاية، الخطابة: فعلى المستوى الاقتصادي – الاجتماعي الداخلي، هناك برنامج مقرر، سارب في طريقه، بغض النظر عن الحكومات والبرلمانات والانتخابات والاحزاب والصحافة والصالونات…
وكل ما يُقال … ولا يُقال! وعلى مستوى السياسة الخارجية. هناك، ايضا، برنامج مقرر مسبقا بالالتزام -بغض النظر عن الحوار الداخلي، العقلاني، والعاطفي معا – بما يراه الرئيس القائم في البيت الابيض من استراتيجيات!
فما الذي يفيد، بعد هذا وذاك، اذا ظل خطاب احد الوزراء، معارضا.. او اذا ما خرج عن الاجماع «العقلاني» الحكومي، وترك المجال حرا لعواطفه الجياشة؟
ومع ذلك، فان فكرة الوزير/ المعارض، هي فكرة جذابة كأسلوب اردني في الاصلاح السياسي، على ان تتطور الفكرة الى تخصيص نسبة محددة – ولكن فاعلة – للاتجاهات السياسية والمعارضات، في البرلمان والاعيان والحكومة ووظائف الفئة العليا… الخ كتجربة في «الديمقراطية التوافقية».
والشرط الاساسي لجدية هذا الاقتراح. هو استعادة حقّنا الوطني في تقرير السياسات الداخلية والخارجية. واذا لم يتحقق هذا الشرط، فان «الفكرة» تظل ملائمة بوصفها تطويرا سياسيا للفلكلور الوطني، حيث تغرق الصراعات الفكرية – السياسية في لبن الجميد.