ناهض حتّر
من الطبيعي ان ترفض حركة (حماس) دعوة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الى انتخابات مبكرة، من المرجح انها ستخسرها.
اهي لعبة «ديمقراطية» عادلة؟ اذا كانت كذلك، لماذا لا يدعم الغرب، اجراءها في لبنان ايضا؟ لكن، هنا، على العكس من فلسطين، فان القوة المرشحة للخسارة، هي تحالف 14 شباط، الحليف للامريكيين والاوروبيين والعرب المعتدلين. ولذلك، تعد الانتخابات اللبنانية المبكرة، «انقلابا»، بينما تعد تلك الفلسطينية، حلا «ديمقراطيا» للاستعصاء السياسي الوطني.
خلال العام الفائت، قُوطعت حكومة حماس، وحُوصرت، وحُرمت من الاموال حتى لتسديد رواتب الموظفين والشرطة، كما منعت عنها المساعدات التي تمكنها من تطبيق برامجها الاجتماعية. وقد ادى ذلك كله الى صعوبات اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة في الاراضي الفلسطينية. ومن المتوقع ان قسما من ناخبي حماس، ان يكونوا قد تعلموا الدرس الان.
ومؤيدو «العملية السلمية» من الفلسطينيين الذين صوتوا لـ (حماس) لاسباب داخلية -وتحديدا ضد الفساد- سوف يعيدون الان ترتيب اولوياتهم، طالما ثبت -بالتجربة- ان «المجتمع الدولي» غير مستعد للتعاون مع حكومة حماسية!
حركة (فتح) من جانبها، لم تتوان لحظة عن الهجوم السياسي العنيف على الحكومة الحماسية، ونشّطت ضدها اعتصامات ومظاهرات شعبية ومسلحة، وعملت، بإلحاح، على كسر هيبة الحكومة، واطلاق كل ديناميات الفلتان الامني. وقد نشأ عن ذلك وضع لا يطاق بالنسبة للمواطنين المسالمين، غير المسيسين، الذين اعطوا اصواتهم لـ (حماس) تحت تأثيرات وجدانية او اخلاقية.
وباختصار، فقد جرى القيام بكل ما من شأنه «تأديب» الفلسطينيين على خيارهم الديمقراطي لـ (حماس) في الانتخابات الاخيرة. ومن المنتظر، الان، ان يؤتي ذلك ثماره، لصالح الفتحاويين وحلفائهم. ومن المرجح ان هؤلاء، سوف يستخدمون، في الانتخابات المبكرة المزمعة، كل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، لاسترداد كامل السلطة.
الاستنتاج الاول الذي يمكن للقارىء ان يستخلصه، هنا، ان الوسائل الديمقراطية والانتخابات.. الخ، بالنسبة للغرب، تسير باتجاه واحد، هو سيطرة القوى المرغوب فيها في منطقتنا. وهو ما يسيء، في النهاية، الى القيم الديمقراطية والغرب معا.
غير ان ما نريد التأكيد عليه، مع ذلك، هو جذب الانتباه، الى الوقائع التالية -التي لا يمكن الالتفاف عليها- وهي:
(1) اعلان الرئاسة عن انتخابات مبكرة من دون الاتفاق مع الحكومة الحماسية، هو، بحد ذاته، تصعيد قد يقود الى احتدام الصراع الداخلي بدلا من تجاوزه؛
(2) اجراء الانتخابات المبكرة وتقويض الاغلبية البرلمانية (حماس) وشطب حكومتها، لا يشطب الحركة نفسها، والقاعدة الاجتماعية-السياسية التي تدعمها. اي ان الصراع سوف يستمر، وفي شروط اسوأ. فبالنظر الى ما يمكن ان يكون من انسداد الوسائل الديمقراطية امامها، سوف تلجأ (حماس) للوسائل الجماهيرية وحتى العنفية؛
(3) بغض النظر عن التحولات السياسية المرتقبة في الاراضي الفلسطينية، فانها ما تزال تخضع للاحتلال والحصار والعدوان الاسرائيلي. وستظل كذلك، بعد استعادة (فتح) للمجلس التشريعي والحكومة. ومن المنتظر، بالطبع، ان تعود اسرائيل والمجتمع الدولي الى مساعدة «السلطة» والتفاوض معها، لكن من الواضح انه لا يوجد لدى اسرائىل، بعد، الاستعداد للانسحاب في حدود 67 او تسهيل اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة او حل مشكلة اللاجئين. وهو ما يشكل الاساس العميق للازمة الفلسطينية الداخلية، ويسمح بتجديدها.