النقطة الاولى في الاصلاح الانتخابي

ناهض حتّر

احدى النقاط الجوهرية في المشروع الوطني، هي ربط السكان بالمكان. فالعلاقة مع المكان، هي اساس الوطنية والتمدين، مثلما هي اساس تجذير الممارسة السياسية على المطالب العيانية للتقدم.
وتعاني بلدان العالم الثالث مشكلة كبيرة في هذا المجال، بالنظر الى الهجرات الداخلية من الارياف الى العواصم والمدن التي تحظى – في ظل النمو المشوّه – بتركيز الادارات والمؤسسات الاقتصادية والخدمية والوظائف … الخ، وبطبيعة الحال، فان البرنامج التنموي الوطني ينبغي ان يعمل بالاتجاه المعاكس، بحيث يتم تركيز النشاط التنموي الشامل في المحافظات ، وخلق الاسس الموضوعية للهجرة المعاكسة، او اقله – الحفاظ على التموضع السكاني. وتستلزم هذه العملية، بالتأكيد، تكثيف التمثيل السياسي للمحافظات في مجلس الامة والحكومة المركزية- وليس العكس بحجة قلة السكان – فالتمثيل هو للجغرافيا الوطنية، والاحتياجات التنموية وليس للديمغرافيا.
على ان التأكيد على زيادة حصة المحافظات في التمثيل، لا معنى له الا بالربط المحكم بين السياسة والمكان، وتمكين النخب المحلية من الحصول على المقاعد في البرلمان والحكومة والادارة، وقد شهدنا في الاردن، نمو هذا النوع من التمثيل منذ ال¯ ،89 الا انه سار بالاتجاه السلبي، اولا، لان حصة من ذلك التمثيل ذهبت الى ابناء المحافظات المقيمين في عمان، وثانيا لان عدم التوازن الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي، يدفع باعضاء النخب المحلية في المحافظات، الى التخلي عن نمط الحياة السابقة والاندماج في نخبة العاصمة، وثالثا، لان فقدان الارتباط الحي مع القاعدة، وتحوّل السياسة الى مشروع شخصي، يقود الى الضعف السياسي للتمثيل وتحوير المطالب الاجتماعية الى وساطات فردية.
الوجه الآخر للاشكالية، يتمثل في ضعف التمثيل السياسي للعاصمة. فطالما ان قسما رئيسيا من نخبة العاصمة، يتحصل على موقعه السياسي، من خلال تمثيل المحافظات، فان مستوى التمثيل وديناميكيته، لا يتطابقان، في العاصمة، مع الحيوية الاجتماعية والاتجاهات السياسية المدينية فيها.
ان حل هذه الاشكالية، يتطلب تنفيذ برنامج اقتصادي – اجتماعي – سياسي – ثقافي طويل المدى، ولكن مقدمته الاساسية تتمثل في تشديد قانون الانتخاب العام، على التسجيل في مكان الاقامة الدائمة، والغاء ووقف «مناقلة الاصوات» بين الدوائر الانتخابية، تحت طائلة العقوبات. ان انتقال الطاقة التصويتية من العاصمة الى المحافظات، يُفرغ عمان سياسيا. ويضعف تمثيلها، ويشكل، في الوقت نفسه، قوة مضاعفة للنخب العمانية لانتزاع تمثيل المحافظات من ابنائها المقيمين فيها. وهو ما يؤدي الى ارباك وتشويه العملية السياسية، بل ونسف المضمون الاجتماعي – السياسي للتمثيل، ويعزز الارتباطات العشائرية، من دون ان يؤدي الى تمثيل العشائر، بل استخدامها كخزان تصويتي من قبل النخب العشائرية.
ويواجه الباحث، في بعض الحالات، وضعا لاعقلانيا. كما هو الحال في «الدائرة الثالثة» في عمان، وهي اهم دائرة انتخابية من حيث التمثيل الوطني، ولها خمسة مقاعد، اي انها تحظى باعلى نسبة تمثيل في الاردن، ومع ذلك، فان حوالي 40 الى 50 بالمئة من طاقتها التصويتية، تذهب الى المحافظات. وهذا يعني ما يلي: (1) حالة من الفصام السياسي بين قوى اجتماعية ديناميكية رئيسية وبين مكان الاقامة والعمل والنشاط والجيرة الخ (2) تحويل العملية السياسية الى ممارسة انتخابية معزولة ومؤقتة ومنفصلة عن العلاقة الحيوية مع التمثيل السياسي (3) وبدلا من ان تقدم «الدائرة الثالثة» – وفقا لمعطياتها الاجتماعية – السياسية، ممثلين عضويين لهذه المعطيات. فانها، بالكاد، تقدم واحدا او اثنين من النواب السياسيين المشدودين لاعتبارات متناقضة، تشلّهم.

***
التسجيل في السجل الانتخابي حسب مكان الاقامة الدائمة، اصبح، اليوم، شرطا لا غنى عنه لتطوير الحياة السياسية الاردنية. واذا كان التشديد القانوني لا بد منه لانجاح هذا الاجراء الاصلاحي، فان المبادرة الاجتماعية الواعية لمواطني عمان، المنحدرين من المحافظات، هي موضع رهاني.

Posted in Uncategorized.