تلك الرائحة

ناهض حتّر
الطبقة الوسطى الاردنية – مثلما قلنا مشغولة – بالندم على ما فاتها من موجة الارباح في سوق العقارات والاسهم او قل: انها مصابة بالصدمة وتعاني الاضطراب النفسي الشديد، بل وتهلوس، وربما كانت اسباب الهلوسة موضوعية بالفعل. فخلال اقل من سنة، حقق قسم من المتوسطين الاكثر حنكة واستعدادا للمغامرة، ارباحاً لا يستهان بها من ارتفاع الموجة العقارية والمالية لكن القسم الاكبر منهم لا يستطيع ان يصدق ان الفرصة قد فاتت ليس فقط لتحقيق ارباح بل حتى لامتلاك شقة لائقة، وبعضهم خسر مدخراته لدى اول هبوط في السوق المالي.

الشرائح العليا من المتوسطين والاغنياء وتجار الاراضي وبقايا الملاك العقاريين التقليديين افادوا من «الموجة» كل حسب قدرته وموقعه لكن «الموجة» خلقت اوهاما وضياعا والاما على نطاق اجتماعي واسع فهل سيكون هناك، بعد الاستيقاظ من الغيبوبة، اصطفافاً طبقي جديد ام ان موجة عقارية ومالية لاحقة ستشل الوعي الاجتماعي لفترة اخرى؟!

ليست لدينا معطيات كافية للاجابة على هذا السؤال، الا اننا نحاول ان نفسر الشلل السياسي الحاصل، بانشغال القيادات المحتملة للحركة الشعبية – ومعظم هذه القيادات من الطبقة الوسطى- في تجارب الحظ في العقارات او البورصة «القائد» السياسي المحتمل سوف يصرف كل جهوده الان، لتحقيق قفزة شخصية الى الاعلى. في معظم الحالات سوف يضيع الوقت والجهد سدى. وربما يقع المرء على رأسه !

المشكلة، الاعوص هي في تأثير هلوسات الاثراء على الانتاجية. المستثمر الصغير يضحك على نفسه، ويؤنبها، لانه استنفد قدراته المالية في مشغل او مصنع او مؤسسة خدمية او تجارة، تدر 15 الى 25 بالمئة من راس المال بينما كان يستطيع تحقيق 100 بالمئة واكثر في الاراضي او السوق المالي، سوف يركز منذ الان على هذا البديل. اما المدراء والموظفون المتوسطون في القطاع الخاص، فانهم يتابعون بالحاح استثماراتهم في الاراضي والاسهم. استثمارات محددة – وغالبا صغيرة – ولكن لها الاولوية على مهماتهم الوظيفية- وعلى الانجاز والمنافسة والترقية في حين تغدو الانشطة الثقافية والاجتماعية مجرد ترف او بلاهة.

يحدث كل ذلك، بالطبع في اطار قيمي حدده الكمبرادور الذي ينفرد بالقرار الاقتصادي ويحقق ارباحا «شرعية» وغير شرعية، هي اقرب الى الخيال.

غدا الكمبرادور …المثال الاعلى – الفعلي – بالنسبة الى معظم الفاعلين اجتماعيا. حتى النقاد في المجالس، يتحدثون بتلذذ – وليس بغضب او سخرية – عن السرقات والنهب والتهليب. الا تشمون رائحة العفن.

Posted in Uncategorized.