ناهض حتّر
التسريبات حول الشروط الأمريكية لـ”فك العزلة الدولية عن سوريا” مصممة، بالكامل، من اجل تفكيك النظام السوري، واشاعة الفوضى في البلد المستهدف، وتخليصه من اوراقه الاقليمية واضعافه باتجاه اسقاطه في عملية سياسية امريكية.
اولاً: مطاردة المسؤولين “المتهمين” باغتيال رفيق الحريري، من شأنها تفكيك النخبة الحاكمة: خصوصاً وان التحقيق الدولي في قضية الحريري، مفتوح.. وقائمة «المتهمين»، بالتالي، مفتوحة. ولسوف تشمل المسؤولين السوريين، لا بالنظر إلى صلاتهم الفعلية المزعومة بحادث الاغتيال ذاك، بل بمواقفهم السياسية إزاء القطاع العام، ودعم المقاومة الفلسطينية، والوطنيين اللبنانيين، والمقاومة العراقية. وهو ما سيؤدي، بالطبع، إلى عملية فرز سياسي داخل النظام السوري، بحيث لا يبقى خارج قائمة الاتهام، الاّ اولئك المستعدون للتعاون مع السياسة الأمريكية.
ثانياً: لقد أدت «الثورة الديمقراطية» المشبوهة في لبنان. إلى احلال السيطرة الأمريكية محل السيطرة السوريا في هذا البلد. والمشروع الأمريكي في لبنان، يهدف إلى تصفية مواقع ونفوذ القوى الوطنية القومية والاسلامية المضادة له. وواشنطن تريد، باختصار، تحييد سوريا وعزلها عن حلفائها في لبنان، مما يسهل ضربهم وضربها.
ثالثاً: المطلب نفسه يتكرر بالنسبة لقوى المقاومة والاعتراض الفلسطينية. وتريد واشنطن، دق اسفين بينها وبين سوريا، لاضعاف الاولى وتحطيمها، ولحرمان الثانية «سوريا» من حلفاء على الساحة الفلسطينية، وعزل واضعاف تأثيرها الفلسطيني.
رابعاً: تفعل الحكومة السوريا ما بوسعها -فعلاً- لمنع تسلل المجاهدين من تنظيم «القاعدة» إلى العراق. ولا توجد معطيات من أي نوع عن وجود علاقة سياسية بين الطرفين. فالقاعدة معادية، فكرياً وسياسياً، للنظام السوري. ولكن مطلب واشنطن الحقيقي يكمن في انهاء العلاقة الفكرية والسياسية -وربما اللوجستية- بين دمشق وقوى المقاومة العراقية. في حين ان اضعاف الاخيرة يقود، فوراً، إلى «تحرير» جزء من القوات الأمريكية من أزمتها في العراق، لكي تتفرغ للعدوان على سوريا. وفي الوقت نفسه، فان اتخاذ دمشق موقفاً معادياً للمقاومة الوطنية العراقية -ذات الطابع السني- سيؤدي إلى انشقاق طائفي عميق في سوريا نفسها. فدمشق، في تأييدها الضمني، للمقاومة العراقية انما تستجيب للأغلبية السنيه السوريا، وتحافظ، بالتالي، على الوحدة الوطنية في البلاد. ولعل انتقال النظام السوري إلى المعسكر الآخر في العراق، سوف يعزله، طائفياً وسياسياً، داخل سوريا.
واذا ما علمنا ان المكافأة التي ستحصل عليها سوريا، لقاء كل ذلك، هو «فك عزلتها الدولية» من دون الاشارة، لامن قريب ولامن بعيد، للانسحاب الاسرائيلي من الجولان، او حتى العودة إلى المفاوضات بهذا الشأن، فان الصفقة المعروضة على سوريا، خاسرة مئة بالمئة.
ما زلنا نأمل ان يشحذ الرئيس بشار الاسد، عزيمته باتجاه مصالحة حقيقية داخلية تنهي عزلة نظامه عن الوطنيين الديمقراطيين السوريين. فالعزلة الوحيدة الخطيرة فعلاً هي العزلة الداخلية.