صورة “المجموعة الاقتصادية”.. بقلمها!

ناهض حتّر
نشرت الصحف الاردنية مقالاً للدكتور فواز حاتم الزعبي، هو اشبه ببيان سياسي «للمجموعة الاقتصادية» التي تمثل رجال الاعمال الجدد، الليبراليين الجدد، «الديجتال» او الكمبرادوريين مثلما اسميهم عادة.. بل ان الدكتور الزعبي يعترف صراحة، بان صورة «النخبة الجديدة»، لدى الرأي العام، هي صورة نخبة كمبرادورية. يقول: «…. وعلى النخبة ان تراجع مسيرتها لتتناغم مع قواعد اللعبة الديمقراطية التي ستنشأ عن الاصلاحات الشاملة، وان تحاول تغيير النظرة السائدة لدى السواد الاعظم من المواطنين، بانها اقلية تعيش من وراء العمولات، وتؤمن بالليبرالية الاقتصادية، خدمة لمصالحها، ولكنها غير متحمسة لليبرالية السياسية..»

والسؤال الذي يطرح نفسه تواً: هل نظرة «السواد الاعظم» للنخبة الجديدة صحيحة ام لا؟

لا توجد اجابة صريحة لدى الزعبي، لكنه يقر، ضمناً بالنقد الاجتماعي السياسي الموجه «للنخبة الجديدة»، بل ان المقال – البيان، هو دعوة حارة لهذه النخبة للمشاركة بل لاخذ زمام المبادرة في المجال الديمقراطي. وكذلك «طمأنة الاغلبية بانها لا تريد تفكيك والغاء القطاع العام الانتاجي والخدمي لاحلال برنامج انفتاح اقتصادي رأسمالي معفى من كل التزام اجتماعي او اخلاقي او طني».

ولسوء الحظ، فان الاغلبية لن تطمئن ابداً للنخبة الجديدة حتى لو انفقت الاخيرة ملايين اضافية من الخزينة في حملة اعلانات ضخمة عن دورها الديمقراطي والاجتماعي والوطني! – وذلك للاسباب التالية:-

اولاً: ان «النخبة الجديدة» لم تخرج من قلب المجتمع، مثلما حدث في التجربة الماليزية مثلاً – بل جاءت من خارجه ومن فوقه وهي لم تحتل مواقعها في صنع القرار جراء جهودها الاقتصادية والسياسية، بل في سياق سلطوي مدعوم من الخارج اعني ان هذه «النخبة» ليست اصيلة او متجذرة في التربة الاجتماعية الوطنية. وهي لم تقدم اي انجازات اقتصادية او تضحيات اجتماعية او اي افكار جديدة نابعة من الاحتياجات الملموسة الداخلية، وانما فرضت نفسها من فوق المجتمع بقوة الادارة، وبخطاب مستورد مئة بالمئة.

ثانياً: «السواد الاعظم من المواطنين» لا ينظر الى «الصورة» ولكنه يعيش الواقع وهو يواجه التهميش والافقار وتفكيك الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة وخدماتها، ويتلظى بنار الارتفاع المستمر في تكاليف الحياة.

ثالثاً: النخبة الجديدة موجودة في الحياة الاقتصادية السياسية الاردنية، جراء غياب الديمقراطية. ففي اللحظة التي تتشكل فيها الحكومات على اساس المشاورات النيابية الملزمة، فان احدا من افراد «النخبة الجديدة» الليبرالية – الكمبرادورية، لن يطمح في الحصول على حقيبة وزارية. وهذا ما يعرفه اعضاء النخبة الجديدة. بصورة ملموسة، من تجربة العزلة الشاملة التي يعيشونها الان على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي ولذلك، فان ميل «النخبة الجديدة» الى السلطوية هو ميل اصيل لديها انها لا تستطيع تحقيق وجودها وبرامجها بالوسائل الديمقراطية وهذا هو السبب في ان تمرير قوانين «الاصلاح الاقتصادي»، احتاج الى تعطيل البرلمان كلياً «2001-2003» مثلما ان حكومة عدنان بدران التي تمثل «النخبة الجديدة» الليبرالية – الكمبرادورية، لا تستطيع الاستمرار حتى في ظل الحد الادنى من الديمقراطية البرلمانية الحالية فاذا تركت البرلمانيين والسياسيين المناوئين والاعلاميين المستقلين احراراً في حركتهم وخطابهم، فانها ستكون مضطرة الى مغادرة الميدان.

***

القطاع الخاص الوطني له دور في تشغيل الديمقراطية بالطبع ولكن عندما نتحدث عن القطاع الخاص الديمقراطي، فنحن نتحدث عن عشرات الالاف من الفاعلين الاقتصاديين في القطاعات الانتاجية والخدمية، والمنظمين الاقتصاديين المبدعين في اطار اقتصاد وطني متمحور على ذاته ومنفتح بصورة ديناميكية ومنضبطة على الخارج .. ولا نتحدث عن اقلية مفروضة فوقياً لبرامج معلبة ايديولوجية ارادوية.

الديمقراطية هي اداة – وسيلة – آلية لاتخاذ القرار الوطني وهو ما يفرض على التو الاسلوب التفاوضي بين الفئات الاجتماعية الوطنية وصولاً الى تسويات واقعية تأخذ بعين الاعتبار، المصالح المشروعة للفئات الاجتماعية تلك في سياق تنموي تقدمي مشروط بالاولويات الاجتماعية والثقافية والوطنية.

وهذا البيان يتناقض كلياً. مع قيام بضع شخصيات غير منتخبة بتحديد عناصر الاجندة الوطنية لعقد كامل.

لا توجد «اجندات وطنية» في الديمقراطيات تقررها لجنة او مجموعة بل تقررها المتطلبات الواقعية والمصالح المتباينة للفئات الاجتماعية الوطنية في اطار الممارسة الديمقراطية الحية.

ومع احترامنا يظهر ان الدكتور الزعبي ليس في وارد اكتشاف اسس الديمقراطية ولكنه في وارد «اغتنام الفرصة» باي اتجاه؟ هذا ما سنعرفه غداً.

Posted in Uncategorized.