ناهض حتّر
تشكل إعادة النظر في النظام الضريبي الأردني، الآن، قضية اجتماعية – سياسية كبرى، وحلقة مفصلية في تطور البلد ومستقبله. لماذا؟ لأن التحولات الجذرية التي شهدتها المملكة في العقد الأخير، تقترب من استكمال عملية هدم دور الدولة الاقتصادي – الاجتماعي، وإلغاء مظاهر الرعاية الاجتماعية والاشكال التقليدية للمساواة، لصالح سيطرة الليبرالية الاقتصادية الخاصة بالعالم الثالث، والقائمة على الخصخصة الشاملة وتحالف المال والنفوذ السياسي في «سوق حرة» ولكنها خاضعة في العمق للمصالح الأجنبية ووكلائها المحليين.
وقد انتهت هذه التحولات الى تكوين فئات فاحشة الثراء، وبالمقابل، إفقار فئات واسعة، والضغط على الشرائح الدنيا والمتوسطة من الطبقة الوسطى. وهو ما يهدد بالآثار الآتية «1» احتكار الاستثمار والمشاركة في العملية الاقتصاية من قبل الاقلية الأكثر ثراء او نفوذاً «2» تقليص قاعدة وفرص الطبقة الوسطى وشل قدرتها علي الادخار والاستثمار «3» شل حيوية الحياة السياسية والثقافية «4» الانقسام الاجتماعي الحاد بين اقلية متنفذة اقتصاديا وسياسياً، ومتغربة ثقافياً، وبين اكثرية مُفْقَرة وأصولية ومتطرفة.
نحن، إذن، أمام لحظة حرجة وخطرة للغاية. وقد بدأت مفاعيلها تظهر على غير صعيد، وفي اكثر من نذير، بينما لا يزال لدينا فرص لاستدراك الموقف، واستعادة – أو اعادة بناء – آليات التوازن الاجتماعي – السياسي، ومن اهمها النظام الضريبي، الذي يشتمل على ضريبة الدخل والضريبة العامة على المبيعات والضرائب غير المباشرة.
وتناقش الحكومة الآن مع القطاعات الاقتصادية، الخطوط العريضة لمشروع قانون جديد لضريبة الدخل، في نسخة معدلة ومحسنة عن المشروع الذي اعدته حكومة عدنان بدران، ورفضه المجلس النيابي غير ان هذه النسخة، ايضا، لا تزال اسيرة التصور الليبرالي – المقيد ببعض التحفظات الاجتماعية – لكنه بعيد جدا عن استراتيجية تحويل ضريبة الدخل الى اداة فعالة للعدالة الاجتماعية وتطوير وتعميق العملية الاقتصادية.
تقترح الحكومة اعفاءً ضريبياً للافراد و«المستخدمين» على شريحة الدخل البالغة «10000» دينار سنويا، ثم تتدرج النسب الضريبية على التوالي بالنسبة للخمسة آلاف الاولى بعد شريحة الاعفاء، والخمسة آلاف الثانية، والثالثة فما فوق، كالتالي: «10» بالمئة و«15» بالمئة و«25» بالمئة.
ويعد هذا الهيكل الضريبي خطوة للامام، ولكنه لن يغير في الهيكل الاجتماعي القائم، فالاعفاء – هنا – يخص الفقراء والفقراء الجدد من الموظفين، ولا يشمل المهنيين واصحاب المؤسسات الصغيرة، اي انه لا يفيد اياً من شرائح الطبقة الوسطى القادرة على الانفاق – خارج ضرورات الحياة – او الادخار او الاستثمار. بل بالعكس انه يضغط عليها بنسب ضريبية كبيرة.
فعند شريحة الدخل «25000» دينار سوف يتساوى المهني او التاجر الصغير مع الرأسمالي الكبير، في نسبة ال¯ 25 بالمئة.
ان مهنياً او تاجراً صغيراً يحصل دخلا سنويا بمعدل «35000» دينار ينتسب، اجتماعيا، الى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، وسيكون عليه ان يدفع ضريبة دخل تبلغ «5000» دينار، وهذا هو بالذات المبلغ الذي يمكنه من الانفاق الثقافي او الادخار او الاستثمار.
لقد اقترحنا سابقا ، ونكرر الاقتراح بان الحد الملائم للاعفاء هو الدخل السنوي البالغ «35000» دينار، على ان يبدأ التدرج الضريبي بعد هذا المبلغ من «5» بالمئة حتى يصل الى «50» بالمئة.
ومن شأن هذا الهيكل الضريبي ان يعيد بناء الهيكل الاجتماعي في البلد كالتالي «1» تعزيز الطبقة الوسطى وتمكينها من تفعيل دورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي «2» تعزيز دور ابناء الطبقة الوسطى – ومعظمهم لا يزال يحافظ على ارتباطاته الاسرية – في التكافل العائلي «3» استعادة حصة المجتمع من الثروات الخيالية التي يحققها الرأسماليون، وتحجيم نفوذهم الاجتماعي والسياسي «4» زيادة الايرادات من ضريبة الدخل بصورة مؤثرة تسمح للحكومات بتخصيص المزيد من الاموال للرعاية الاجتماعية للفقراء والعاطلين.
ان الدفع بهذا الاتجاه، يستلزم من حكومة د. معروف البخيت ان تتخذ قرارا استراتيجيا بالمواجهة من القوى الليبرالية المسيطرة، لكن تكوين مثل هذا القرار، يحتاج، بالاساس، الى جبهة من النقابات والهيئات والشخصيات، للتدخل السياسي في النقاش حول المشروع الجديد لقانون ضريبة الدخل.