الولايات المتحدة ليست قَدَراً

ناهض حتّر
ليس هناك – ولن يكون – خيار عسكري في مواجهة القنبلة النووية الكورية الشمالية.

الجيوش الامريكية غارقة في العراق وافغانستان حتى أذنيها. وكوريا الشمالية دولة غير نفطية. لكن هناك، ايضا، الفيتو الحاسم ضد الحل العسكري من قبل الصين وكوريا الجنوبية وروسيا. ولذلك، فان الحد الاقصى للقرار الدولي الممكن حول التحدي النووي الكوري الشمالي لن يتعدى عقوبات تتعلق بالملف النووي نفسه. فالصين ترفض، مبدئيا، اية عقوبات من شأنها ان تمس بمصالح وحياة الشعب في كوريا الشمالية. وعلى كل حال، فان الاتجاه الاقوى الآن هو العودة الى طاولة المفاوضات، مرة اخرى، ولكن، هذه المرة، من اجل ضمان عدم تسرب التكنولوجيا النووية الكورية الشمالية الى بلدان اخرى. لكن الدولة النووية الجديدة. وهذه حقيقة اصبحت مسلما بها – هي دولة فقيرة، وتحتاج الى موارد ومساعدات ضخمة، وسيكون على المجتمع الدولي، الاختيار بين تقديمها مرغما الى «بيونج يانج» او ان الاخيرة سوف تبيع قنابلها النووية لمن يدفع، في سوق السلاح الدولي.

هذا المثال الحي، يُظهر – للعرب – حدود القوة الامريكية. ليس صحيحا البتة – او على الاقل: لم يعد صحيحا – ان الولايات المتحدة الامريكية هي القطب الوحيد في عالم اليوم. واذا كان من المفهوم ان القوى الدولية لا تريد الصدام – غير الضروري – مع القوة الامريكية، فانها، في الوقت نفسه، تدافع عن مصالحها المباشرة بصورة حازمة.

انهيار كوريا الشمالية هو كارثة للصين ولكوريا الجنوبية اللتين ستتحملان اعباء الفوضى الامنية والهجرات والمشكلات الاخرى الناجمة عن ذلك الانهيار. ولذلك، فانهما تقفان، بحزم، ضد وقوعه، بل وتمولان – بصورة منتظمة – استمرارية الكيان الكوري الشمالي. ومن جهتها، فان روسيا الناهضة، لا تسمح بانتصار جديد للامريكيين.

الصين هي الشريك التجاري الاول للولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية هي حليف قديم لها، لكنهما ليستا مستعدتين للتضحية بمصالحهما من اجل ارضاء واشنطن. فهل تتعلم الحكومات العربية – الحليفة للامريكيين – الدرس؟

لقد فات العرب «المعتدلين»، الحيلولة دون الغزو الامريكي للعراق .. فهل تفوتهم، الآن، فرصة الدفاع عن مصالحهم الخاصة في الحيلولة دون تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات على اسس اثنية وطائفية؟

تقسيم العراق لم يعد مجرد خطر غائم، بل خطة مطروحة على جدول الاعمال الامريكي. في وقت قريب جدا. وسيؤول التقسيم الى قنابل اقليمية: الكيان الكرْدي سوف يفجر المشكلة الكردية في تركيا – وسورية – وايران، والكيان الشيعي سوف يفجر المشكلة الشيعية في السعودية والخليج، بينما الكيان السني – المرشح لكي يكون المقر العالمي الجديد للقاعدة – فسوف يفجر المداخلات الارهابية في المنطقة كلها. وستكون نتائج تقسيم العراق كارثة على الاردن وسورية المرشحتين لاستقبال هجرات عراقية كثيفة ودائمة.

افلم يئن الاوان لمبادرة عربية مستقلة ازاء العراق، تقول للامريكيين: كفى! اخرجوا!! ودعوا العراق للعراقيين والعرب.

السير وراء السياسات الامريكية اصبح انتحارا ذاتيا «للمعتدلين»، قبل ان يكون خطرا على «المتطرفين»، في العراق .. وفي فلسطين .. وفي لبنان.

الدعم العربي – في السياق الامريكي – للرئاسة الفتحاوية في رام الله، هو الذي يدفع محمود عباس وجماعته الى العناد، واختيار نهج الصدام مع «حماس» حتى النهاية. وستنتج عن ذلك كارثة فلسطينية من دون مقابل. فحتى لو ذبح العرب والفتحاويون، «حماس» .. لن تقدم لهم اسرائيل شيئا. ولكن كارثة الانفصال السياسي بين الضفة وغزة، والحرب الاهلية، واليأس الوطني .. وما سينجم عن كل ذلك من هجرات ديمغرافية – سياسية، سوف يدفع ثمنها الاردن. أفليس من العقلانية، اذن، ان نفتح خطاً مع «حماس» ونستخدم نفوذنا على «فتح» من اجل المصالحة .. مستبعدين الشرط الامريكي المصمم على الاعتراف باسرائيل؟!

السؤال نفسه مطروح على السعودية في لبنان. ألا تفرض العقلانية – والمصالح السعودية – ان تستخدم الرياض نفوذها على تحالف 14 شباط، من اجل التوصل الى تسوية وحكومة وحدة وطنية في لبنان، تجنب البلد العزيز، الانهيار؟

واذا كان المعتدلون العرب، قادرين – الى هذا الحد – على التفاهم مع اسرائيل – المحتلة التوسعية العدوانية النووية – تحت المظلة الامريكية .. افلا يمكنهم – حفاظا على استقلالهم ومصالحهم – التفاهم مع ايران، خصوصا بشأن العراق؟ ومن ثم بناء سياق للتفاهم حول الملفات الاخرى؟

لم يعد في السير وراء الولايات المتحدة، اية مصلحة «للمعتدلين» العرب. انهم يذهبون – وراءها – الى الكوارث، لا غير – فهل بامكانهم القيام باية مبادرة مستقلة ..؟.

Posted in Uncategorized.