ناهض حتّر
الحوار حول الاصلاح الضريبي ليس حوار “افكار”، بل هو، في الاساس، سجال مصالح متضاربة داخل القطاعات، ومتصارعة داخل الفئات الاجتماعية.
قطاعات التجارة والمصارف والتأمين تسعى الى خفض الضريبة على دخولها، لتتساوى مع قطاعات الصناعة والسياحة والطبابة الخ.. وفي رأينا ان هذا التضارب في المصالح هو ذو طابع فني، ويمكن التوصل الى تسوية بشأنه بين الاوساط الرأسمالية، التي تنشط عادة، في قطاعات متشابكة.
ومن حيث المبدأ، فان توحيد النسبة الضريبية على كل القطاعات، وشطب جميع الاعفاءات الضريبية من الاستثمارات في كل الحقول، لن يكون لهما اثر كبير في تحديد اتجاهات الاستثمار.
وفي النهاية، فان تسوية الخلاف على هذا المستوى ممكن، وديا، ما بين اطراف الطبقة الرأسمالية.
لكن توحيد النسبة الضريبية على كل القطاعات، لا يعني توحيدها بالنسبة الى احجام الشركات وارباحها. فهنا يجب ان يكون هناك تدرج في النسب الضريبية وفقا لمعيارين «1» حجم رأس المال العامل «2» الارباح. وذلك من اجل الحفاظ على وتشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة، وترسيخ الطبقة الوسطى وتعزيز دورها الاجتماعي والثقافي والسياسي.
بيد انه، بالانتقال الى النسب الضريبية المناطة بالافراد، فاننا ندخل منطقة الصراع الاجتماعي. ومن الطبيعي ان يطالب الفقراء والمنتمون الى الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، باعفاءات كاملة، بحيث لا تخضع الدخول الفردية حتى 35000 دينار، نهائيا، الى اي اقتطاع ضريبي من اي نوع، بينما يبدأ التدرج في النسب الضريبية، بعد هذا المبلغ، من 5 بالمئة الى 50 بالمئة، وذلك تحقيقا للعدالة الاجتماعية، وخفض الهوات المتسعة بين الطبقات، وايجاد قاعدة راسخة للطبقة الوسطى، ووقف آليات الافقار من خلال اعادة تأسيس الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
ولا يستقيم الاصلاح الضريبي من دون اعادة هيكلة الضريبة العامة على المبيعات، وذلك بتخفيضها على السلع والخدمات الاساسية، وزيادتها على السلع والخدمات الترفيهية.
ومن شأن هذا الهيكل الضريبي ككل ان يعزز قدرة الفئات المتوسطة على الانفاق او الادخار والاستثمار، وهو ما يسهم، بالتالي، في تعزيز حركية الاقتصاد الوطني.
اقتراحنا ينصب، اذن، على نوعين من الحوارات:
النوع الاول: يتم بين الرأسماليين انفسهم، وله محددات فنية، ويمكن حسمه في مشاورات ودية وصولا الى تسوية، والنوع الثاني صراعي تحسمه قدرة الفئات الشعبية والمتوسطة على تكوين جبهة اجتماعية قادرة على فرض شروطها وتحسمه الارادة السياسية للدولة: هل هي تريد استعادة دورها الاقتصادي- الاجتماعي الهادف الى اعادة تدوير الثروات وتنشيط الاقتصاد الوطني والحياة السياسية والثقافية الديمقراطية ام انها تريد مواصلة نهج الليبراليين الجدد ومؤداه حدوث استقطاب اجتماعي حاد بين اقلية فاحشة الثراء ومغتربة ثقافيا عن المجتمع، في مقابل اغلبية تطحنها آليات السوق المتوحشة، وتدفع بشبابها نحو التطرف؟
وهذا السؤال اجتماعي وسياسي بامتياز، وليس فنيا.