يمكننا الانتباه الى الشأن الداخلي

ناهض حتّر
تراجعت، خلال الأسبوع الأخير، فكرة تأجيل الانتخابات النيابية، والتمديد للبرلمان الحالي.

لقد كانت الخشية هي أن الاقليم مقبل على تصعيد وتوترات، وربما حرب جديدة أو حروب جديدة، خارجية وأهلية. وهو ما سيلقي بظلاله على الانتخابات الاردنية، ويحولها مسرحاً لنقاش سياسي متأزم مرتبط بالقضايا الاقليمية، وليس على القضايا المحلية.

بدأ هذا السياق بالتفكك الآن. فالمصدر الأساسي للتصعيد في الاقليم يكمن في سياسات وخطط إدارة بوش الصغير، القائمة على الحلول العسكرية والتأزيم السياسي. وقد اصبحت هذه الادارة، مقيدة بفوز المعارضة الديمقراطية في الكونغرس. وخلال العامين المقبلين المتبقيين من رئاسة بوش الصغير، لن يكون بالامكان خلق الاجماع الامريكي – الذي اصبح الآن ضرورياً – للتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، بوساطة «حلف المعتدلين»، والحرب على ايران أو عزل واسقاط النظام السوري، وحزب الله، وحماس.

بالعكس… سوف نشهد عما قريب، مفاوضات مع طهران ودمشق، وتهدئة على كل الجبهات، تسمح للولايات المتحدة بادارة الملف العراقي.

يمكننا، إذن، الانتباه الى الشأن الداخلي، حيث الملفات الاكثر صعوبة: «1» الكلفة الاجتماعية الباهظة جداً للسياسات الاقتصادية لليبرالية الجديدة (الخصخصة الشاملة، حرية السوق وأولوية «الاستثمار» على المجتمع) «2» الفشل التنموي، وتركز الاستثمار في حقول العقارات والبورصة والخدمات، وآثار هذا التركز على فعالية الاقتصاد الوطني، انهيار الصناعة الوطنية والزراعة والخدمات العامة «3» اختلاط الصلاحيات الدستورية والسياسية ونشوء مراكز القوى «4» المواطنة «5» والمشاركة الوطنية في القرار السياسي «6» قضايا الفساد «القانوني» وغير القانوني.

وكان هنالك اتجاه لتأجيل البحث في هذه الملفات الداخلية، بالنظر الى ضغوط الملفات الاقليمية. لكن هذا الخطر تراجع، بحيث ان تأجيل الانتخابات النيابية سوف يبدو – والحالة هذه – محاولة لتأجيل الاستحقاقات الداخلية، سنة او سنتين. وهي فترة قصيرة للمراجعة والاصلاح، ولكن طويلة للاحتقان المتراكم، ما يجعل عقد الانتخابات النيابية في موعدها، فرصة مناسبة لتجديد الحياة السياسية، واطلاق حوارات المراجعة في سياق دستوري.

هذا النقاش بدأ فعلاً. غير ان المشكلة تظل في قانون الانتخابات العامة. والاتجاه الغائب هو اجراء الانتخابات في ظل القانون الحالي مع بعض التعديلات الادارية التي هي من صلاحيات مجلس الوزراء – أي أنها لا تتطلب اقرار قانون جديد – وسوف تركز التعديلات على تحسين نسب المحاصصة في حدود مقبولة.

هذا الاطار غير كافٍ لاستيعاب النقاش الوطني. وهو لن يساعد في تحديث النخبة السياسية ورفدها بقيادات وفعاليات قادرة على اجراء تسويات اجتماعية وطنية، أو حتى احداث توازن سياسي مع الحركة الاسلامية.

ما تزال لدى البعض، خشية من فوز ساحق للاسلاميين. لم يعد ذلك يمثل خطراً بالنظر الى التطورات الحاصلة لجهة استيعاب «حماس» في النظام الفلسطيني.. بالاضافة الى ان قوة الاسلاميين الجماهيرية تراجعت بالفعل بالنظر الى ضعف أدائهم السياسي الداخلي، والى الانشقاقات التي تشلّهم فعلياً عن المبادرة. وأنا لا استبعد معركة انتخابية بين الاسلاميين، داخل المعركة الانتخابية الوطنية.

المهم هو الاتفاق على تعديل قانون الانتخابات العامة بصورة تسمح للقيادات السياسية الوطنية والمثقفين بولوج البرلمان. عندها سوف تتغير الصورة.

مشكلة دوائر صنع القرار في الأردن، انها لا تثق بقدرة المجتمع الاردني على الدفاع عن نفسه وكيانه، في حين ان هذا المجتمع يتوجّس من الغموض السياسي الرسمي حيال عدة قضايا، أهمها قضية العلاقة مع الضفة الغربية وامكانية التورط في الشأن الفلسطيني.

قرار فك الارتباط ليس فقط قراراً سيادياً وضع النقاط على الحروف. انه قرار وطني أردني لا يمكن العبث به أو التراجع عنه، وهو يكفل مصالح جميع الاردنيين – بغض النظر عن اصولهم – نقطة على السطر.

Posted in Uncategorized.