في خلفية الاحباط الليبرالي

ناهض حتّر
القوى التقليدية والليبرالية الجديدة في العالم العربي، تنظر الى الجماهير بوصفها كتلة ديمغرافية، خارج المشاركة والقرار.

التقليديون – على الخلافات السياسية بينهم – يحشدون «الجماهير»، بوساطة الوسائل الادارية، في المناسبات.

الليبراليون الجدد، يعفون انفسهم، اصلا، من هذه الحاجة، بل انهم يتجاهلون وجود القوى الاجتماعية – السياسية، ومصالحها، وطموحاتها، ومشاعرها، ويعتقدون بأنهم يستطيعون اعادة هندسة المجتمعات، وفقا لخطط يرسمها اذكياء فرادى على برامج حاسوبية، قبل تطبيقها بالوسائل الادارية والامنية او حتى بالوسائل العسكرية للمرجعية الامريكية وحلفائها الاقوياء.

في حالة واحدة، لجأت جبهة الليبراليين الجدد في لبنان – قوى 14 شباط – الى الجماهير، مقلدة اساليب التغيير الامريكية في اوروبا الشرقية، وكان ذلك بسبب ان قوى 14 شباط، لديها، بالفعل، قواعد جماهيرية، وقد ارادت استخدامها في 14 آذار ،2005 ولمرة واحدة، من اجل اضفاء الشرعية على انقلاب سياسي سلمي، أتاحه لها الانفراد بالحكم في لبنان.

لكنها، بعد ذلك، لم تعد معينة بالجماهير، اولا، لانه لم يعد لديها قضية جماهيرية فعلا، بعد الانسحاب السوري من لبنان، وثانيا لان الكتلة الجماهيرية الاساسية التي صنعت 14 اذار، انتقلت الى الجانب الآخر، جانب المعارضة الوطنية اللبنانية.

ومنذ عشرة ايام، استطاعت «المعارضة» ان تحشد، بالفعل، اكثر من مليوني مواطن في بيروت ومناطق اخرى، وراء قضية سياسية هي قضية المشاركة في القرار الحكومي. وعلى المستوى الاول، الظاهري، يمكن تقسيم جماهيرية «المعارضة» غير المسبوقة، بأنها تمثل ائتلاف المستبعدين من النظام السياسي اللبناني الجديد، وهم: الشيعة، الاغلبية الساحقة من المسيحيين، والقوى التقليدية من السنّة -المناوئة لتيار المستقبل – الاقليات المهمشة من الدروز الخ. وكل هذا الطيف، وجد نفسه، في الترتيبات الامريكية – الفرنسية للبنان، خارج المعادلة التي اصبح «التيار الليبرالي»، مسيطراً عليها، متحالفا مع قوتين هما «القوات اللبنانية» المسيحية المهمشة اجتماعيا وسياسيا، ودروز جنبلاط، وهم، بالاساس أقلية وجدت مصالحها، دائما، بالالتحاق الديناميكي، بالفئات المسيطرة.

لكن، على المستوى الاعمق، فان جماهيرية «المعارضة» تجد اساسها المتين، في وجود مظلة سياسية – الفها حزب الله والتيار الوطني الحر – للفئات الدنيا والمتوسطة من الطبقة الوسطى، والفقراء، والمهمشين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. ويؤلف هؤلاء الاغلبية الساحقة من اللبنانيين الذين انحدرت مستويات معيشتهم، وذاقوا الامرّين من البطالة والغلاء وانسداد الافق الاجتماعي، طوال فترة حكم الليبرالية الجديدة، وهي تقوم على الخصخصة واولوية «الاستثمار» الكمبرادوري وحرية السوق على حساب الدور الاقتصادي – الاجتماعي للدولة، وافقار الاغلبية، وقد عالجت المدرسة الليبرالية هذه العملية القائمة على لبررة اقتصادية وحشية، ببرامج مكثفة من المساعدات الانسانية. وهو ما فعله، بالمقابل، حزب الله، مستفيدا من الدعم المالي الايراني، مع جماهيره، في محاولة لابعادها عن الصراع الاجتماعي، وتوظيفها في سياق دعم المقاومة.

وقد وصلت هذه التركيبة المعقدة والمؤقتة للتعايش بين الليبرالية الجديدة وحزب الله، بدخول الجماهير المسيحية المفقرة والمهمشة، على الخط، ومن ثم اكتشاف حزب الله، ان تحالفه مع هذه الجماهيرية التي يمثلها، بامتياز، الجنرال ميشال عون يشكل، بالنسبة إليه، مظلة واسعة تكفل له في الآن نفسه، حماية المقاومة وتحصيل حقوق جماهيره الاجتماعية.

بالمقابل، نلاحظ انه لم تعد لقوى 14 شباط، جماهير بالمعنى الاجتماعي – السياسي للكلمة، بل جمهور محدود تحشّد بوسائل ادارية او مذهبية، وتبين، بالملموس، انه ليس لدى الحكومة اللبنانية، «شارع» حقيقي قادر على مواجهة شارع المعارضة لذلك، فان المشهد الجماهيري اللبناني المعارض غير المسبوق، يثير الاحباط في صفوف التقليديين والليبراليين العرب. ليس، فقط، خوفا من انتشار التجربة، بل ايضا، لأن التاريخ بدأ يخرج من غرف الادارات والندوات، الى ميادين المقاومات والشارع، ولأن العناصر الاجتماعية – السياسية المغيبة، عادت تؤكد ذاتها، حتى في مواجهة القوى العظمى!.

Posted in Uncategorized.