ناهض حتّر
نرحب – بحرارة – بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى عمان غدا. ومن حسن الحظ أننا نستقبل الضيف الكبير، بعد ان استكمل، في ميونيخ، قبل يومين، علامات زعامته الدولية باعلانه رفض «العالم أحادي القطب» وتنديده بواشنطن «التي تتجاوز حدودها» وجعلت العالم «اكثر خطرا واقلّ أمنا» ساخرا من الذين «يعلموننا الديمقراطية ولا يريدون ان يتعلموها» بذلك يكون الرئيس بوتين – الذي دعا، ايضا، الى جدول زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق وندد بالوجود العسكري الامريكي في الخليج- قد دشّن «الاتحاد الروسي» قطبا دوليا واعيا بذاته وبقدراته.
يمكننا ان نتعلم من تجربة بوتين الخصبة، كيف استطاعت الدولة الروسية، تجاوز عقد الضياع الذي كاد ان يدمرها تحت قيادة الليبرالية الجديدة، لقد عمل بوتين ببطء لكن بثبات على وقف الخصخصة الايديولوجية المنفلتة، واعادة بناء ما سمّاه «القطاع الاستراتيجي» الذي يخضع لسيطرة الدولة المركزية – ويشتمل على مجالات الطاقة والمناجم والنقل والاتصالات وصناعة الاسلحة … – وكذلك، تحصين الامن القومي، ووقف الفوضى، وتعزيز الدفاع، واتباع سياسة خارجية مستقلة.
وزن الاردن هو، بالطبع، غير وزن روسيا. ولكن تجربة بوتين، تفتح آفاقا في التفكير والتدبير لكل الدول المبتلاة بسيطرة الليبرالية الجديدة، وبرنامجها القائم على تفكيك الدولة الوطنية.
هناك مجالات عديدة للتعاون الفعّال بين روسيا والاردن، في حقول اقتصادية مختلفة، منها اعادة بناء موازين القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية مع اسرائيل، إذا كان الاسرائيليون يضربون عرض الحائط بالتدخل الاردني والعربي لوقف حفريات الاقصى، فما هو، إذا، مستقبل الجهود للحل الدائم للقضية الفلسطينية، بما في ذلك، الانسحاب الى حدود ال¯ 67 وحلّ مشكلة اللاجئين والنازحين، ووضع حد نهائي لخطر الوطن البديل.
لقد سبق للملك عبدالله الثاني، زيارة موسكو، سبع مرات. وهو ما يدل على ان القيادة الاردنية، تملك جدول اعمال كبيرا للتعاون مع روسيا. وتتطلع الى تعزيز العلاقات الثنائية في عدة مجالات ونحن نأمل ان تحدث جهود جدية في هذا الاتجاه، تتم ترجمتها فعليا في المدى المنظور.
ان قيام شبكة من التعاون الاردني – الروسي، يشكل، في حد ذاته، احد عناصر استعادة الاستقلالية النسبيّة للقرار الاردني، ويفتح امام بلدنا، فرصا استراتيجية، من الحكمة التشبث بها، واغتنامها.
ولا شك في ان زيارة بوتين الى عمان، تعكس اهتمام القيادة الروسية بمجالات التعاون مع الاردن، بالاضافة الى ان هذه الزيارة قد تساهم في بحث جدّي لمشكلات الاقليم.
ونحن نفهم حرص القيادة الاردنية على تخصيص جزء اساسي من المباحثات الاردنية – الروسية، للشأن الفلسطيني: ولكننا نأمل بمباحثات مفتوحة حول قضايا الاقليم ومستقبله.
وبالنظر الى العلاقات الخاصة التي تربط روسيا بايران وسورية، يمكن – بل لا بد – من اغتنام المباحثات مع الرئيس بوتين، لاستعراض الهواجس وتجسير الهوّات، والبحث في منظور جديد للاقليم على اساس تفاهم مشترك، نأمل ان يصدر في بيان رسمّي، يحدّد النقاط الجوهرية، ومنها المطالبة بجدول زمني للانسحاب الامريكي من العراق، والضغط على طهران للعب دور ايجابي في هذا البلد نحو تلافي الانقسامات، واعادة توحيد المجتمع العراقي والدولة العراقية، بالاضافة الى اظهار الدعم لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ورفع الحصار عنها، وحث اللبنانيين على المصالحة، وتوجيه رسالة قوية الى اسرائيل.
لدى الاردن، ايضا، ما يقدمه لروسيا، اقتصاديا وسياسيا. ففي بلدنا مجالات استثمارية خصبة، بالاضافة الى التبادل التجاري. وعلى المستوى السياسي، فإن قيام علاقات ثنائية خاصة بين عمان وموسكو، سوف يمنح الأخيرة، فرصة جيدة لتوسيع حضورها في الاقليم، وأخيرا، تستطيع عمان ان تلعب دوراً ايجابياً في حل المشكلة الشيشانية التي تشكل استنزافا للدولة الروسية.0
بوتين في عّمان: يا هلا
Posted in Uncategorized.