ناهض حتّر
أريد، ههنا، أن اقترح معادلة حول صراع القوى الاقليمية والدولية في المنطقة. وأصوغ «المعادلة» كالتالي: كلما ازداد حجم النفوذ والتدخل الامريكي في المنطقة، كلما ازداد بالمقابل، حجم النفوذ والتدخل الايراني على حساب النظام العربي. وليس العكس.
بالمقابل، كلما تراجع المشروع الامريكي في المنطقة، سوف يتراجع حتماً، المشروع الايراني.
وسوف ألاحظ، الآن تجريبياً، هذه «المعادلة».
«1»- العراق: أدت التطورات الراهنة على فشل المشروع الامريكي في العراق، والاتجاه نحو الانسحاب، الى تفكك الجبهة الطائفية الشيعية الموالية لايران «أ» بدأت اصوات شيعية عربية قوية، دينية وعلمانية، في بلورة خط مناوىء للتواطؤ الامريكي – الايراني «ب» اتجه التيار الصدري – الذي قاطع البرلمان والحكومة وما يزال – الى البحث عن فرص ائتلاف وطني مع قوى سنية على أساس اولوية الانسحاب الامريكي من العراق «ج» «حزب الفضيلة» الشيعي المتطرف والفاعل، رحب بتوصيات بيكر – هاملتون في مقابل الهجوم عليها من قبل عبدالعزيز الحكيم ومليشياته المرتبطة بالمخابرات الايرانية، بينما واصل «حزب الدعوة» انشقاقاته «د» انفتحت آفاق – لا تزال غامضة ولكنها جديدة للتفاهم مع القوى السنية والعلمانية لتأسيس جبهات وطنية لا طائفية «ه¯» تصاعد الاتجاه الى الانسحاب من العملية السياسية الطائفية والى التعاون مع دمشق على حساب التعاون مع ايران. وكل ذلك يؤذن بتحول الصراع المذهبي الى صراع سياسي ضد الاحتلال والتدخل الايراني.
«2» سورية: المعزولة عربياً، المهددة امريكيا واسرائيلياً، هي سورية المضطرة الى تعزيز تحالفاتها مع ايران. انه خيار قاسٍ، بالنسبة لدمشق، لكنه اضطراري ومفهوم.
ونلاحظ، الآن، أن الفشل الامريكي في العراق، والاسرائيلي في لبنان، وخلاصة الفشلين في توصيات بيكر – هاملتون، والتطورات اللاحقة المتوقعة في الاتجاه نفسه، اعادت الاعتبار للتوجهات التقليدية للسياسة الخارجية السورية.
دمشق، الآن، تشعر بانها في طريقها الى التحرر من الاضطرار الايراني، وتؤكد اولوياتها «أ» استقلال ووحدة وعروبة العراق «ب» وحدة المسارين السوري واللبناني للحل مع اسرائيل واستعادة الجولان «ج» استعادة الدور الاقليمي السوري «د» إعادة تأهيل «حماس» للاندماج في التسوية.
«3» حزب الله: منذ تموز الماضي، حدثت تطورات سياسية نوعية في استراتيجية حزب الله «أ» شعر الحزب وزعيمه، حسن نصر الله، بالقوة المضاعفة جراء الانتصار الصعب على اسرائيل، ودور هذا النصر في اسقاط «مشروع الشرق الاوسط الجديد». وحماية ايران وسورية، وحصل، بذلك، على مكانة عربية واسلامية، حررته، نسبيا، من ضرورة الدعم الايراني – السوري. ولكن يبقى، بالطبع، الدعم المالي والتسليحي اللازمين للمقاومة.
غير أن تجميد جبهة الجنوب- حتى اشعار آخر – وجه الحزب الى استخدام فائض قوته الجماهيرية والسياسية لاحداث تغيير داخلي يستجيب لمصالح جماهيره من الفقراء والفئات الوسطى، وكذلك تأمين الحماية الداخلية لحضوره من خلال التحالف مع التيار الوطني الحر والقوى المعارضة الاخرى وهو ما أدى عملياً الى لبننة الحزب وتعريبه، وتغيير خطابه السياسي، لبنانيا – باتجاه – اولوية التغيير والاصلاح- وعربيا باتجاه الاعتراف بالمقاومة العراقية. وهو ما يشكل انفصالا بدأ يتبلور، عن الاستراتيجية الايرانية.
اذا استطاع حزب الله- وحلفاؤه- تأمين حضورهم في القرار الوطني اللبناني، وأصبح جزءا من الدولة اللبنانية، سوف ينفتح أمامه أفق استراتيجي جديد، يترافق مع انخفاض حاجاته التسليحية والمالية الأكثر إلحاحا، خصوصا في سياق احياء المسار السوري- اللبناني.
«4» هل تتعارض هذه التحليلات مع الزيارة الخاصة العاطفية لرئيس الحكومة الحماسية، اسماعيل هنية الى طهران؟ كلا، فجولة هنية الحالية، مأذون بها- امريكيا واسرائيليا- وسنرى أن «حماس» في حالة ما اذا أمنت الهجمة الرئاسية الفتحاوية، واستعادت الاحتضان العربي، فإنها – اي حماس- لن تمشي في الخط الايراني، بل في خط إعادة التأهيل السوري، خصوصا، اذا كان يرافقه اختراق جدي للحل على المسار الفلسطيني.
***
اذا كانت قوى النظام العربي، جادة حقا في مواجهة النفوذ الايراني واعادة بناء نظامها ودوره، فأمامها فرصة ثمينة للانفتاح على القوى العربية المستبعدة فيما يسعى المحور الايراني، الى ممارسة الضغوط من اجل محاصرة بوش- تشيني، والتفاهم على مبادرات عربية وفاقية ومستقلة على كل الجبهات الساخنة.