ناهض حتّر
رواية الصحافيين الاسرائيليين، آفي يششكروف وعاموس هرئيل، حول ملابسات رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، تعزز الاعتقاد بأن ابو عمار، مات مقتولا. وهي اقرب ما تكون الى السيناريو الذي اقترحه الدكتور اشرف الكردي: التسميم. ومن ثم اخفاء الجريمة، بتلويث دم الرئيس بالايدز.
مات عرفات وسط الصمت والارتباك. لم يصدر بيان رسمي يوضح اسباب الوفاة، بينما التقرير الطبي ظل سريا، ولم نعرف، بعد، شيئا عن نشاطات لجنة التحقيق الفلسطينية التي لم تقدم اي استنتاجات، بل ولم تصدر اي بلاغ عن سير عملها.
الجريمة – وهي وقعت على الأرجح – نكراء بحدّ ذاتها. ولكن هناك، ايضا، جريمة السكوت. لماذا أغلقت «السلطة الفلسطينية»، الملف؟ لماذا لم تطالب بلجنة تحقيق دولية، في الظروف الغامضة لوفاة مؤسسها ومؤسس الثورة الفلسطينية المعاصرة؟!
والمدهش ان صحافيين اسرائيليين – لا فلسطينيين او عربيين – هما اللذان اخرجا عرفات من النسيان. الامر، هنا، لا يتعلق بمؤامرة اسرائيلية هدفها مثلا – الاساءة الى الرئيس الراحل او اتهام «السلطة» او بث الخلاف في صفوفها مثلا. فالرواية الصحافية الاسرائيلية، تتحدث عن تسميم عرفات بالايدز. والمتهم الرئيسي يظل، بالطبع، شارون. والحلقة المفقودة هي: الاداة.
نحن نميل الى القول انه تكونت لدى «السلطة الفلسطينية» ومعارضيها معا – نزعة الى التساوق الميداني مع الاطر الامريكية – الاسرائيلية المطروحة لحل القضية الفلسطينية، من دون تلبية شروط الحد الادنى لحقوق الشعب الفلسطيني: حدود ،1967 القدس، عودة اللاجئين او قسم منهم.. حتى الى «الدولة» اذ ان «العودة» الى مناطق ال¯ ،48 لم تكن مطلبا سياسيا منذ اوسلو .1993
وفي هذا السياق، فإن طيّ ملف عرفات.. ورحيله، يصبح ضرورة للقابلين – وهم كثر – بالحل الامريكي الاسرائيلي. وهكذا، لن يتذكر احد عرفات.. سوف يُنسى مثلما نُسي القرار التاريخي لمحكمة العدل الدولية في لاهاي حول عدم شرعية جدار الاستيطان الشاروني، واعلان اراضي ال¯ ،67 كاملة، محتلة على اسرائيل الانسحاب منها.
كل ما له علاقة بالحقيقة والشرعية والمبادىء، ليس له مكان في مسار الحل القائم. الاّ ان رجال «السلطة» يخطئون في استمرار الصمت المريب حول ظروف رحيل رئيسهم. اولا، لأن الغموض يخدم شتى الاتهامات، ويقوض صدقية السلطة، وثانيا، لانه من دون جلاء الحقيقة الكاملة في هذه القضية، فستظل «السلطة» ناقصة الشرعية، سواء ألجهة الحكم.. ام لجهة المفاوضات.
لقد تنادى المجتمع الدولي، على خلفية صرخات عشرات آلاف المتظاهرين وقادة الاحزاب في لبنان، لمعرفة الحقيقة حول اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري. لماذا ليس في فلسطين ايضا؟ وانا لا اشير فقط، الى ازدواجية المعايير، بل الى ما هو اسوأ.