ناهض حتّر
ليس في نيتي ان اقدم هنا تاريخاً للحزب الشيوعي الاردني، لكنني سألفت الانتباه الى الادوار التي لعبها الشيوعيون في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية الاردنية، كما انني سأشير الى علامات من الفترة الممتدة منذ نهاية السبعينيات حتى التسعينيات. واعرض، اخيراً، للقضايا الاساسية المثارة، اليوم، في اوساط الحركة الشيوعية.
ولد الحزب الشيوعي الاردني، مطلع الخمسينيات، من اندماج حركتين، الاولى ناضجة منظمة لها تاريخ وكادرات وزعماء هي «عصبة التحرر الوطني في فلسطين» وكانت تمثل القسم العربي من الحركة الشيوعية الفلسطينية، والثانية شابة غير مؤطرة بعد، تتألف من مجموعات وشخصيات اردنية، اعتنقت الشيوعية خلال فترات الدراسة الجامعية والاقامة في دمشق وبيروت. ونشأ عن اتحاد الحركتين، بعيد وحدة الضفتين، حزب واحد للشيوعيين الذين رأوا في الوحدة الاردنية-الفلسطينية، على نواقصها وعيوبها، صيغة اكثر رحابة وفعالية للتقدم الاجتماعي.
واقف، هنا، لالفت الانتباه الى الاهمية الاستثنائية للدور الذي لعبه الشيوعيون في ترسيخ وحدة الضفتين، ومنحها مضموناً تقدمياً من خلال توحيد فعالية العناصر الاكثر ثورية في النخبة الاردنية الفلسطينية في اطار برنامج نضالي واحد يهدف الى تحرير البلاد من النفوذ البريطاني، والتحول الديمقراطي، ودفع القوى التنموية، وتعزيز المشاركة الشعبية في كل المجالات.
ولقد حافظ الشيوعيون على هذا الموقف الوحدوي «الاردني-الفلسطيني» بعد الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية في حزيران ،1967 واعتبروا ان مشروع تأسيس كيان فلسطيني مستقل، «مؤامرة اسرائيلية» وبحوزتي مجموعة من البيانات التي عملت شخصيات شيوعية من الضفة الغربية على اصدارها عامي 1968 و ،1969 تؤكد ان الضفة الغربية هي «جزء لا يتجزأ من المملكة الاردنية الهاشمية».
وعندما افكر في هذه الرؤية، واهميتها بالنسبة للمملكة التي هددها، دائماً، الانشقاق الداخلي، اجدني حائراً في ازاء القمع الشديد الذي مورس ضد الشيوعيين، وهم الفئة السياسية الاكثر اخلاصاً وفعالية لدولة الوحدة.
بعد حزيران الـ ،1967 تنبه الراحل الملك حسين الى هذه الحقيقة، وادرك الضرورة التاريخية لدور الشيوعيين في الحفاظ على وحدة الدولة. وقد بادر – رحمه – الى استقبال وفد من قيادة الحزب الشيوعي – اواخر العام 1967 – والاعتذار عن فترات القمع السابقة. وعلى الرغم انه ابلغ الوفد الشيوعي بأنه لا يستطيع الغاء قانون مكافحة الشيوعية الا انه وعد بعدم تطبيقه، «تمت العودة الى تطبيقه جزئياً في السبعينات» واصدر اوامر لمدير المخابرات وقتها – محمد رسول الكيلاني – بالتوقف عن تعقب الشيوعيين والسماح لهم بممارسة نشاطهم. وقد طلب الملك الراحل من الشيوعيين الحفاظ على منظماتهم في الضفة الغربية، وقدم للحزب اكبر تبرع يحصل عليه في تاريخه «وهو 75 الف دينار».
لكن الشيوعيين خسروا في النهاية، معركة وحدة الضفتين، ووحدة الحزب الشيوعي، بالنظر الى حجم التطورات اللاحقة المعروفة.
في الخمسينات، كان الحزب الشيوعي اكثر الاحزاب فعالية في تحريك الفئات الشعبية للمشاركة في الحياة السياسية، سواء في تسيير المظاهرات ام في المساعدة في تشكيل المنظمات الاهلية والنقابية ام في المشاركة في الانتخابات النيابية.
ومن اللافت ان الشيوعيين استطاعوا في انتخابات الـ 1956 ان يشكلوا قوة اساسية استطاعت تقديم ترشيحات منافسة، والفوز بعدة مقاعد للشيوعيين وحلفائهم بالاضافة الى تقديم الدعم لمرشحين ديمقراطيين.
والعلامة البارزة في انتخابات 1956 هي فوز المرشح الشيوعي من الكرك الدكتور يعقوب زيادين عن المقعد المسيحي في القدس، في واحدة من الانتصارات السياسية المدوية للشيوعيين ونزعتهم الوحدوية.
دعم الشيوعيون حكومة سليمان النابلسي وتوجهاتها الوطنية الديمقراطية وكانوا مقربين من رئيسها الذي حافظ على علاقاته الودية بالحزب حتى رحيله.
بعد احداث 10 نيسان 1957 جرت مطاردة عنيفة للشيوعيين وتم اعتقال المئات من اعضاء الحزب، ومناصريه وقد قضى العشرات منهم فترات طوال في السجن «معتقل الجفر الصحراوي» حتى العام 1965 لكن الحزب اثناء فترة القمع، حافظ على وجوده التنظيمي ونشاطه السياسي واصدار مطبوعاته السرية.
وهنا الفت الانطار الى دور الشيوعيين في الحفاظ على الحياة الحزبية في البلاد، وترسيخ القيم النضالية والشجاعة وروح التضحية في اوقات كانت الاحزاب الاخرى، تتراجع فيها وتجمد نشاطاتها.
خلال العقود الاربعة الممتدة من الخمسينات الى الثمانينات، لعب الحزب الشيوعي الاردني، ادوارا اجتماعية وثقافية بالغة الاهمية، بل انها تعدت اهمية دوره السياسي بكثير.
1- لقد دفع الحزب بالالاف من ابناء الفلاحين والكادحين الى الدراسة الجامعية في البلدان الاشتراكية في بعثات لم يكن هؤلاء يستطيعون الدراسة من دونها.
وقد اسهم ذلك في تحولات اجتماعية عميقة في صفوف ابناء الفئات الشعبية في الضفتين من خلال التعليم وتحسين المستوى المعيشي والثقافي، كذلك فقد رفدت هذه البعثات المجتمع الاردني بالاف الكوادر في حقول مختلفة ولا سيما في الطب والهندسة.
2- اهتم الشيوعيون اهتماما كبيرا بالنشاط الثقافي، وقد عملوا على تنشيط الحياة الادبية والفكرية والترويج للادب الفلسفي والسياسي والاقتصادي ونشر القيم الديمقراطية وقيم المساواة والعدالة الاجتماعية واغناء الروح الوطنية بالافكار الاجتماعية، وتعزيز قدرة ابناء الفئات الشعبية ودفعهم الى الثقة بالنفس والابداع والمشاركة في الحياة الثقافية والسياسية.
3- ويستطيع الشيوعيون الاردنيون ان يفخروا بانهم كانوا وراء انشاء وتعزيز ودفع الحركة النسائية ونشر افكار المساواة بين الجنسين، وقيم وثقافة التحرر االقتصادية والاجتماعي للمرأة الاردنية.
4- ولعب الشيوعيون دورا اساسيا في تأسيس وتفعيل النقابات العمالية وتطوير النقابات المهنية، وتأسيس الجمعيات والمنتديات الثقافية، ومنها رابطة الكتاب الاردنيين .19740
* الحلقة الثانية يوم الجمعة المقبل