سيرورة سياسية جديدة في الاقليم

ناهض حتّرالمواجهات اللفظية فوق طاولة لقاء بغداد اليوم، بين الامريكيين من جهة، والايرانيين والسوريين من جهة اخرى، لا تنتقص من دلالة المشهد، ولا تعكس ما يجري تحت الطاولة.
الاتهامات الامريكية العنيفة لطهران ودمشق، تشكّل، بحد ذاتها، اعترافا صريحاً بهما كقوتين قادرتين على تهشيم العمود الفقري لاستراتيجية البيت الابيض الكبرى. المتمثلة بالمشروع العراقي. وهذا ليس جديداً. الجديد هو ان ادارة بوش الصغير الضعيفة داخليا، تعرض – عمليا- التفاهم مع خصميها، في لقاء دولي وفي محادثات ثنائية ايضا. وهذان الخصمان مستعدان، طالما انهما سيحصلان على الثمن المناسب.
والثمن يتجاوز – موضوعياً – درء التهديد الامريكي ضد سورية وايران – اي “السلام مقابل السلام” فهذا ما كانت واشنطن تعرضه منذ ،2003 – كما انه يتجاوز تسوية ملفات الطاقة النووية ولبنان والجولان – فهذا ما كانت تعرضه توصيات بيكر – هاملتون قبل الفشل الامريكي الجديد في العراق – الثمن تضخم الآن الى اطلاق سيرورة سياسية شاملة تقوم على الاعتراف بطهران ودمشق، باعتبارهما اللاعبين الرئيسيين في الاقيم، بالاضافة الى السعودية، الناجية، بفضل ثقلها واوراقها وحكمتها – من التهميش.
ادركت السعودية الاتجاه، واستدركت الموقف، في الوقت المناسب، من خلال التدخل الايجابي في فلسطين – والذي نتج عنه “اتفاق مكة” بين فتح وحماس – وفي لبنان – حيث الاتفاق المماثل وشيك – وكذلك: التراجع عن التصعيد المذهبي، وانشاء جسر سياسي ساخن مع ايران.
وسوف تكتمل الحلقة، عما قريب، باستعادة الحلف التقليدي بين الرياض ودمشق.
وكجملة اعتراضية أسأل – هنا – هل هي مصادفة ان البلدين اللذين وقّعا معاهدتي سلام مع اسرائيل – مصر والاردن – سيكونان خارج السيرورة السياسية الدولية – الاقليمية الجديدة.؟
البيت الابيض يريد الآن، وفي غضون اشهر، الانتقال من الفشل الى النجاح في العراق. هذا هو رهانه الداخلي ضد قضية الديمقراطيين القوية، والتي سوف تضمن لهم الفوز الاكيد في الانتخابات الرئاسية.
وهذا هو رهانه للحفاظ على الوجود الامريكي في الاقليم، بل ورهانه على استمرارية الدفع بسياسات التدخل الامبراطوري، ومواجهة القوى الدولية الناهضة في روسيا والصين وامريكا اللاتينية.
وهذه الرهانات تبدأ من التوصل الى صيغة سياسية وأمنية في العراق، تكفل، بالحد الادنى، استقراراً يتيح لشركات النفط الامريكية التمتع ب¯ “قانون” نهب النفط العراقي – الذي فرضه الاحتلال، مؤخراً، ويؤمن 75 بالمئة من العائدات للمستثمرين الاجانب.
وواشنطن اصبحت مستعدة، اليوم للسماح لشركاء دوليين في هذه الغنيمة، مثلم هي مستعدة لتسديد الفواتير السياسية الايرانية والسورية. وهي قادرة على ذلك:
– فهي الطرف المتعنت امام الرغبة الدولية في “الاستثمار” في نفط العراق، والتفاهم مع ايران حول ملفها النووي.
– وهي الطرف الذي يحول دون الاتجاه القوي في اسرائيل للتفاهم مع سورية بشأن الجولان وجنوب لبنان.

– وهي القوة الوحيدة التي تغطي المتطرفين في جبهة 14 شباط اللبنانية، وتمنحهم القدرة على عرقلة الحل الداخلي وتحجيم “المحكمة الدولية”..

– وأخيرا، فان واشنطن هي العضو الوحيد في “الرباعية”، الذي يرفض، حتى الآن، الاعتراف ب¯ “حماس”.
المشكلة ان طهران ودمشق ليستا قادرتين على الوفاء بالتزاماتهما نحو ادارة بوش الصغير. فهما تملكان من الاوراق ما يسمح لهما بتأمين انسحاب امريكي آمن ومنظم من العراق، ولا يؤدي الى اخلال فادح بموازين القوى ضد الولايات المتحدة، ولكنهما لا تستطيعان تأمين الاحتلال او نسخة سياسية منه. فهذا شأن عراقي مئة بالمئة.. والعراقيون لن يتساكنوا مع الاحتلال او الكمبرادورية ، ابداً، ولدى الشعب العراقي من القدرات الذاتية والعناد الاسطوري، ما يجعله في غنى عن “الدعم” الايراني او السوري. وقد يدمّر محتليه ونفسه وجيرانه، في آن معاً، ولكنه لن يستسلم. اعني انه ليس امام الامريكيين سوى الانسحاب من العراق. وهذه هي فرصتهم الاخيرة، قبل ان يكونوا مضطرين للتقهقر الفوضوي والهزيمة.
هكذا يمكن لطهران ودمشق ان تتشددا ولكن الى الحد الذي لا يلزّ “النمر الجريح” – الذي يواجه الضربات من الداخل والخارج – الى الجنون. بل عليهما اقناع واشنطن بأن تصفية الاحتلال ونتائجه في العراق، هو افضل الخيارات الممكنة، امامها، بينما يمكن للجهود الايرانية والسورية والسعودية، ايجاد اطار اقليمي مناسب لمساعدة العراقيين على اعادة بناء دولتهم.

Posted in Uncategorized.