ناهض حتّر
النقطة الاهم في خطاب السيد حسن نصر الله، المفصلي، في تطور الأزمة اللبنانية .. ليست لبنانية! انها عربية بامتياز، وتتمثل في اعترافه الصريح – لأول مرة – بالمقاومة العراقية وتوجهاتها السياسية.
وعلى الرغم من ان نصر الله لم يسهب، ههنا في اظهار الانفصال المبدئي عن الاحزاب الشيعية العراقية المؤيدة للاحتلال وعمليته السياسية وحكومته في العراق، الا ان هذا الانفصال قد حدث فعلاً، اولاً، باعلانه، وثانياً، بمنطق «الخطاب» اللا- طائفي، اللا – مذهبي، المبني على اولوية الانشقاق السياسي: مع اوضدّ المشروع الامريكي – الاسرائىلي، حيث يوجد سنّة وشيعة ومسيحيون في هذا الخندق، ومثلهم – وعلى تنوعهم – في الخندق التحرري المضاد.
لم يكن ممكناً للسيد نصر الله ادانة حكومة فؤاد السنيورة، لانها «ضد المقاومة» ولأنها «مدعومة امريكياً واسرائىلياً» ولأنها «حكومة فيلتمان، وليست حكومة السنّة» ، ثم يتجاهل – مجدداً – المقاومة العراقية وشرعيتها ونضالها، واتوقع، تحت ضغط التطورات، ان يتقدم السيد نصر الله، خطوة اخرى ليعلن ان حكومة نوري المالكي هي «حكومة خليل زاده، وليست حكومة الشيعة» في العراق.
لقد كنتُ واحداً من الذين طالما ألحوا على حزب الله – من موقع الصداقة والتحالف والامل – ان يسدّ الثغرة ويصلح الاعوجاج في خطابه السياسيّ بين الحاحه على المقاومة في لبنان، وصمته عن المقاومة في العراق. والآن، وقد اعلن السيد نصر الله، شرعية المقاومتين معاً، فان المنتظر منه، بعدما اعلن موقفاً صريحاً يشكك في وطنيّة تحالف 14 شباط، ان يعلن، ايضاً، موقفاً صريحاً من وطنية «الائتلاف الشيعي» في بغداد.
ونحن نعرف، بالطبع، الثمن الباهظ الذي يمكن ان يدفعه حزب الله، جراء حسم موقفه من الصراع الدائر في العراق، لكن لم يعد امام الحزب في رأيي، من مخرج لحماية مشروعه وسلاحه وتفادي الفتنة المذهبية في لبنان، والانقسام في العالم العربي، سوى الدخول، بأي ثمن، على خط تثوير الشيعة العراقيين، واعادة تثقيفهم بثقافة المقاومة والوحدة الوطنية والتغيير الديمقراطي، وهي الثقافة التي يتبناها الحزب في لبنان.
في العراق – حيث لحزب الله اللبناني، مكانة معنوية مؤثرة في اوساط الشيعة –
يستطيع الحزب، من خلال وضع ثقله وراء تأسيس جبهة وطنية متحدة ضد الاحتلال، تفكيك التحشيد المذهبي ضده، لبنانياً وعربياً، واظهار الانقسام الحاصل في العالم العربي، على حقيقته، باعتباره انقساماً سياسياً صافياً بين اصدقاء المشروع الامريكي واعدائه، لا بين المذاهب والطوائف والاثنيات والاقطار.
وباعتقادنا ان السيد نصر الله قد خطا الخطوة الاولى في هذه الطريق. وقد خطاها بشجاعة .. وستتلوها خطوات تنتقل بحزب الله من كونه منظمة طائفية – مذهبية، تدور حولها شبهة «الاداة الاقليمية» الى منظمة لبنانية وطنية مقاومة وحدوية عروبيّة، لها دور مركزي في استنهاض المرحلة الجديدة لحركة التحرر الوطني العربيّة.
وهذه الخطوة جاءت، في رأيي تحت تأثير عاملين: أولهما، انتقال حزب الله من «الحدود» الى الداخل اللبناني في صراع سياسي مرير، أملى وسوف يملي عليه، الاختراق السياسي للطوائف والمذاهب. وقد نجح في كسب قلوب اغلبية المسيحيين، ويتوجب عليه الآن كسب قلوب الاغلبية السنية ايضاً.
وثانيهما: ان المقاومة العراقية – بعد اعلان امريكا فشلها في العراق – اصبحت فوق التجاهل. وقد وصل الصراع السياسي في بلاد الرافدين، لحظة الحقيقة المكشوفة، بحيث ان كل عراقي وكل عربي، يجد نفسه، الآن، امام خيارين لا ثالث لهما: اما الوقوف في خندق المقاومة والوحدة الوطنية، واما الوقوف في خندق الاحتلال والاقتتال المذهبي والتقسيم. ونحن نثق بأن التكوين النضالي لحزب الله يدفعه، مهما كان الثمن، الى الجانب الصحيح.