ناهض حتّر
النظام السياسي الامريكي نظام رئاسي الى درجة يصح معها القول ان الامريكيين ينتخبون، كل اربع سنوات، دكتاتوراً.
ومع ذلك، فان انتصار الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس الامريكي، يكتسب، الآن، اهمية استثنائىة، اولاً، لأن النقاش الرئيسي، في هذه الانتخابات، دار حول العراق، ما يجعل هزيمة الحزب الجمهوري فيها نوعاً من الاستفتاء الشعبي ضد سياسات ادارة بوش الصغير العراقية، ثانياً، لأن مناوأة تلك السياسات – تحديداً – هي التي جذبت المزيد من المواطنين الامريكيين للمشاركة السياسية وتسجيل حالة غير مسبوقة من الاقبال على صناديق الاقتراع، ثالثاً، لأن الحزب الديمقراطي المتطلع الى استعادة البيت الابيض في العام ،2008 له مصلحة مباشرة في التصعيد ضد الادارة الجمهورية في نقطة ضعفها هذه بالذات. فالاتجاه المضاد لحرب العراق اصبح الاتجاه الرئيسي بين الامريكيين، وصهوة الفوز بالرئاسة.
من المعروف ان قدرة الكونغرس على تغيير السياسات الخارجية الامريكية، محدودة لكن المعارضة عندما تهيمن على لجان الكونغرس، فإنها تستطيع ان تشن حملة منظمة على البيت الابيض، وتشله، او تضطره الى تقديم بدائل. غير ان أية بدائل لن تكون مُرضية للحزب الديمقراطي الذي يهتم، اساساً، بفرص فوزه، لا بالتوصل الى اتفاق على سياسات جديدة في العراق.
يمكننا القول، اذن، ان الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية نهاية العام ،2008 قد بدأت منذ الآن، وموضوعها الرئيسي هو العراق.
وعليه، فلسوف يسعى البيت الابيض الى مروحة من المفاوضات مع الاطراف العراقية والاقليمية والدولية، في سياق البحث عن نجاحات في بلاد الرافدين. وبالمقابل سوف تعمل المعارضة الديمقراطية على افشال احتمالات التسوية، وتواصل الضغوط حتى النهاية.
وما اريد التنبيه اليه هنا، ان هذا السباق السياسي لا يفتح الابواب امام التوصل الى تفاهم ذي مستقبل مع الادارة الامريكية الحالية. فما يريده بوش الصغير هو الحصول، قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، على صيغة ما مستقرة، ولو نسبياً، للابقاء على النفوذ الامريكي والقواعد الامريكية في العراق. ولسوف يستخدم في سبيل ذلك، كل اشكال الحيل السياسية والتحالفات والمفاوضات، وكذلك تصعيد العمليات القتالية والقمع والتحريض الطائفي والحرب الاهلية.. وربما الاقليمية في سباق محموم مع الزمن. والاتجاه الأرأس، في هكذا سياق، هو الاتجاه نحو تقسيم العراق، كضمانة للنجاح الامريكي في البقاء المديد، و ترتيب المصالح النفطية والامنية للرأسمالية الامريكية.
نحن، اذن امام سنتين ساخنتين جداً في العراق وفي المنطقة، سوف تملأهما ادارة بوش الصغير بمختلف الوان البهلوانيات السياسية، وتوريط الاطراف العراقية والاقليمية التي سوف تحترق أيديها اللاعبة بالنار.
نقترح، بالمقابل، استخدام الحملة الديمقراطية ضد البيت الابيض حول العراق، في سياق مضاد، عراقياً وعربياً.
على المستوى العراقي، هناك ضرورة ملحة للفهم الاستراتيجي للمرحلة المقبلة، يعطي الاولوية للمفاوضات العراقية – العراقية نحو تأسيس عملية سياسية وطنية بديلة للعملية السياسية الامريكية. وهو ما يتطلبه وقف المشاركة في اللعبة السياسية القائمة والمفاوضات الجزئية مع الامريكيين، وبذل جهود حثيثة للتفاهم الوطني، ووقف حمام الدم، والاتفاق على بناء دولة عراقية جديدة على اساس السيادة والمواطنة والتعددية السياسية، وتركيز المطالبة برحيل قوات الاحتلال، وانهاء النفوذ الايراني وتصفية المنظمات الارهابية الطائفية في كل انحاء العراق.
وعلى المستوى العربي، هناك ضرورة «وأفق» للانفصال عن سياسات بوش العراقية، وتلافي التورط في القيام بأي دور في خدمتها او على هامشها. وبالمقابل، التفاهم العربي – العربي، والعربي – الايراني، على تشجيع العراقيين على المصالحة ونبذ الطائفية والمحاصصة والاقتتال الاهلي، والتوصل الى صيغة حل تقوم على رحيل الاحتلال والحفاظ على وحدة العراق واستقلاله.