ناهض حتّر
بالنظر الى مواقفه القومية والاسلامية الراديكالية، فوجئت بأن مجلس نقابة الاطباء، يرحب بالاتفاقية المنتظر توقيعها بين وزارة الصحة وجمعية اصحاب المستشفيات الخاصة، لتحويل التأمين الصحي الحكومي إليها! وقد تلخصت مداخلة عضو المجلس، الدكتور باسم الكسواني، في المطالبة بأن تشمل «الاتفاقية» جميع تلك المستشفيات، فيما يبدو انه حرص على العدالة بين الرأسماليين، وضمان لتشغيل الاستثمارات الطبية الخاصة، حتى الضعيفة منها، على حساب القطاع العام!
لقد سبق لي ان أسهبت في نقد هذه الاتفاقية، في مقالين نشرا، الاسبوع الماضي، ولا اريد ان اكررهما ههنا، لكنني أوجز بالقول ان الاتفاقية المذكورة، هي خطوة جذرية باتجاه خصخصة الطبابة، وتجريف المستشفيات الحكومية من الداخل، وحرمانها من الموارد والكوادر المؤهلة والبعثات، واهمالها واغلاقها على المدى الطويل، وذلك لصالح المستثمرين في القطاع الطبي وشركات الادوية، ومن ثم انفرادهم بالقطاع والتحكم فيه!
بالمقابل، اقترحنا، من اجل تحسين مستوى المعالجة والخدمة في المستشفيات الحكومية 1- زيادة رواتب الكادر الطبي للحفاظ على واستقطاب الكفاءات، وتخصيص ميزانية استراتيجية للبعثات 2- واعتماد نظام استئجار خدمات اطباء الاختصاص البارزين من خارج القطاع العام، وذلك بدلا من هدر اموال التأمين الصحي على الخدمات الفندقية في المستشفيات الخاصة، بل وانقاذ الفاشل منها!
ولقد كنت احسب ان مجلس نقابة الاطباء، سوف يبادر الى التصدي للهجمة الليبرالية الجديدة في حقل الطبابة، لكن ظهر ان الفيروس الليبرالي قد انتشر ايضا في نقابة الاطباء المهنيين في القطاعين العام والاهلي، وليس تعزيز مصالح الرأسماليين المستثمرين في الخدمات الطبية!
انها الازدواجية التي طالما لاحظناها في مواقف قيادات نقابية مهنية، بين التشدد في المواقف القومية، وفي الوقت نفسه، التفاهم، بل والتحالف مع التيارات الليبرالية الرأسمالية في المجالات المهنية التي تجور على مصالح آلاف المهنيين وملايين المواطنين.
انني من محاربي التطبيع مع العدو الاسرائيلي.. ولكني اعتقد ان خصخصة الطبابة اخطر، مئة مرة، على المجتمع الاردني من التطبيع. بل انني لارضى ان تأتي مجالس نقابية موالية للحكومات في السياسة الخارجية، ولكنها معارضة لها في السياسة الداخلية القائمة على عقيدة ليبرالية تضع مصالح المستثمرين فوق مصالح الدولة والمجتمع.
نحن نريد وأد الازدواجية في الحياة السياسية والنقابية الاردنية، ليس لأسباب اخلاقية فقط، ولكن، بالاساس، لأننا، كمواطنين، ندفع ثمنا غاليا جراء ازدواجية القياديين! وتجاوز الازدواجية ممكن من خلال المشاركة والنقد وإلزام القيادات المنتخبة بالتعبير عن توجهات ومصالح القواعد، وهذا ما نقترحه على جمهور الاطباء، خصوصا في القطاع العام، ان يتحركوا للدفاع عن مصلحتهم ومصلحة المهنة ومصلحة المجتمع.