ناهض حتّر
هناك تواطؤ – تعودناه – على القول ان عمان مدينة نظيفة! لغة كانت كذلك بالطبع. وهي تظل – في الأخير – أكثر نظافة من عدة عواصم عربية وأجنبية.
إلا ان عمان – في الحقيقة – لم تعد مثلما نحبها:
* ففي طول المدينة وعرضها، وفي أرقى الأحياء، يصطدم المرء بحاويات القمامة – ومعظمها مستهلكة – تفيض من فوقها ومن تحتها وحولها، أشكال وألوان من النفايات والأنقاض. ولم تعد سيارات «الأمانة» قادرة على ابتلاعها، وهي تترك قسماً منها وراءها تذروه الرياح.
* وتزيد الطين بلة تجارة القمامة. فهؤلاء الباحثون في الحاويات عن «الاصناف» المطلوبة من داخلها، ينثرون محتوياتها غير المرغوبة من دون حسيب أو رقيب. ولم يعد هؤلاء مجرد جوعى يبحثون في الحاويات عن شيء يبيعونه او طعام ما يزال يمكن تناوله، اننا، الآن، بصدد شبكات تجارية منظمة. والمطلوب هو تنظيم هذه التجارة، ومنح امتياز فرز وتصنيف موجودات الحاويات الى شركات مرخصة، تلتزم تزويد الأحياء بحاويات جديدة مصنفة حسب نوع النفايات. وكذلك الاشراف عليها، وصيانتها، وجمعها. وربما يخفف ذلك الأعباء المالية على الأمانة، ويضبط هذه العملية الملوثة للبيئة.
* وهناك، ايضاً، مساحات الارض الفارغة بين المنازل والعمارات، والتي تتحول، عملياً الى مكبات مفتوحة للنفايات والانقاض، تشوه الأحياء، وتلوث البيئة، وتؤذي العين. افلا ينبغي، إذن، إلزام أصحاب هذه المساحات من الارض (وقيمها بعشرات ومئات الالوف وربما الملايين) بتنظيفها وتسويرها والعناية بها؟.
* ثم نأتي الى ورشات البناء – وهي، كما هو معروف، كثيرة جداً – ولا يلتزم اصحابها بأية معايير بيئية او جمالية. انهم يتجاهلون كلياً ان ورشاتهم تقوم في أحياء مدينة مسكونة، ويستخدمون المساحات المتاحة – كيفما اتفق – للمواد الانشائية والخلطات الاسمنتية والانقاض والمخلفات.
اعتقد بأنه آن الأوان لالزام اصحاب ورشات البناء باخفائها، كلياً، وراء سواتر، والتقيد الكامل بعدم استخدام الأرصفة والمساحات الفارغة والشوارع، بصورة اعتباطية، للمواد الانشائية والانقاض الخ.
* * *
قبل ان تفلت من الأيدي، لا بد من اجراءات حاسمة وشاملة وسريعة، لاستعادة نظافة عمان، وضبط الجوانب البيئية والجمالية فيها.
ولكن تلك المهمات المتعددة والتفصيلية، لا يمكن انجازها من دون المشاركة الحثيثة المسؤولة من قبل سكان الأحياء. ومن العبث، بالطبع، ان تكون هذه المشاركة، فردية أو اختيارية او تطفلية، بل ينبغي تنظيمها في لجان تتشكل بالانتخاب، ويكون لها صلاحيات شبه بلدية.
لقد أصبحت عمان مدينة كبيرة. وهي لا تتوقف عن النمو. وهي تدار من قبل «بلدية» واحدة هي أمانة العاصمة، الأمر الذي يجعل من الحفاظ على مستوى مدني لائق للمناطق والأحياء مستحيلاً.
ولقد كانت المركزية البلدية في وقت ما، تخدم العاصمة، من حيث مركزة وتعزيز الموارد والخدمات، لكن هذا الشكل التنظيمي لم يعد قادراً على ادارة الخدمات البلدية بصورة فعالة داخل الأحياء. وقد غدا ملحاً ان يتم تقسيم عمان – داخل وحدة الأمانة – الى مئات اللجان البلدية المحلية المعنية بتفعيل النشاط الخدمي والبيئي والمدني في أطر التجمعات السكنية المحددة جغرافياً على اضيق نطاق ممكن، بحيث يواجه السكان، مباشرة، مسؤولياتهم ازاء أحيائهم.
لجان الأحياء – بالصلاحيات البلدية – تجرية معمول بها في معظم العواصم. ويمكن تطبيقها في عمان بصورة فعالة وسلسة، ابتداء من الاحياء المستقرة عمرانياً واجتماعياً.