حسنا! لا حرب مع ايران.. ولا مع سورية! بل قنوات اتصال مع البلدين، من اجل حل المشكلة العراقية.
ولقد اصبح هذان الالتزامان، سياسة رسمية لادارة بوش، اعلنها وزير دفاعه الجديد، روبرت غيتس.. الذي اعترف، ايضا، بان «النصر» مستبعد في العراق. ويعني ذلك -حرفيا- الاستعداد للاعتراف بالهزيمة.. والانسحاب.
افلا ينبغي ان يعني هذا التطور شيئا ما بالنسبة للسياسة الخارجية الاردنية؟
لقد كانت هذه السياسة مبنية على سلسلة من الافتراضات الخاطئة التي تجزم بالاتي:
1- حتمية الحرب الامريكية على ايران،
2- حتمية التغيير السياسي في سورية،
3- انتصار قوى 14 شباط النهائي في لبنان،
4- حتمية عزل حكومة حماس
5- «عناد» الرئيس الامريكي بشأن خططه في العراق
وبناء على هذه الافتراضات، تكونت رؤية ومداخلات سياسية اردنية على المستوى الاقليمي، تموضعت في خانة المنظور والدور الامنيين.
لقد انهار كل ذلك الان.
ولا اعرف كم من الوقت سيمضي قبل ان تدرك السياسة الخارجية الاردنية، هذه الحقيقة.. لكنني اعرف ان لديها افتراضا خاطئا آخر، صعب التفكيك. وهو الاعتقاد بان سورية هي في موضع التابع للايرانيين، وان التصدي للمشروع الايراني، يعني، ضمنا، مناوأة وعزل سورية.
كلا! هذا افتراض خاطىء آخر.. قد يجرنا الى سلسلة من الاخطاء والخسارة.
استفادت سورية وتستفيد، بالطبع، من الدعم الايراني المتعدد المستويات. وهي ساعدت وتساعد طهران على الخروج من عزلتها العربية، ولكن السياسات السورية الاساسية تظل مستقلة (1) بالنسبة للموقف من الصراع العربي -الاسرائيلي، لدى سورية سياسة براجماتية، تركز على استعادة الجولان من دون تقديم تنازلات سيادية او تطبيعية او اقليمية. فلا تريد سورية ان تسجل على نفسها، صلحا منفردا، تعرف انه يضعفها ويشل دورها الاقليمي ويفكك نظامها السياسي داخليا. ولكنها، بالمقابل، تريد، بكل قوة، تسوية مع اسرائيل، تكفل للنظام السوري القدرة على المناورة الاقليمية والداخلية؟
(2) بالنسبة للشأن الفلسطيني من الطبيعي ان تؤىد سورية، الخط الحماسي. فهي لا تثق، تاريخيا، بالخط الفتحاوي. ولكنها تقف، بقوة، ضد الاسلام السياسي. واستراتيجيتها لا تقوم على رفض التسوية على المسار الفلسطيني، ولكن على الربط بين المسارات الفلسطيني واللبناني والسوري، تحت مظلة واحدة؛
(3) بالنسبة للبنان لا يمكن لسورية ان تسمح بتراجع حضورها السياسي في هذا البلد. واذا كانت لا تمانع -بل تؤيد وتسهل- الدعم الايراني لحزب الله، فان دمشق لا تقبل شركاء دوليين او اقليميين في لبنان
وفي كل هذه الحقول هناك تقاطعات، نسبية وجزئىة، مع السياسة الايرانية، لكن من دون تطابق او تبعية. فمن المعلوم ان طهران تخوض الصراع مع اسرائيل، بصورة مفتوحة، حول النفوذ الاقليمي، وليس على قضايا هي، بطبيعتها، لا تعني الايرانيين، مباشرة.
(4) لكن التقاطعات بين السياستين السورية والايرانية، تتحول صراعا في العراق. وهو الميدان الرئيسي لتصادم الاستراتيجيات الدولية والاقليمية.
في العراق «ايران متورطة -مثلما يقول الشيخ حارث الضاري- حتى النخاع» في مشروع الاقتتال الطائفي والتقسيم، لكن «سورية -والكلام للضاري- مع المقاومة».
لقد عززت دمشق علاقاتها -المتعددة الابعاد- مع قوى المقاومة والمعارضة العراقية – السنية- وهي تحظى بنفوذ اساسي في هذه الاوساط، لكنها تحتفظ، ايضا، بعلاقات وطيدة مع الاوساط الوطنية والعروبية الشيعية. وهي تستطيع ان تلعب دورا -اهم من الدور الايراني- في دعم تشكيل جبهة عراقية – متعددة الطوائف والاعراق- تتساوق مع السياسة السورية الرافضة للاحتلال الامريكي، وللتقسيم، والتي ترى مصلحة دمشق الاستراتيجية في وحدة العراق وعروبته.
لن تقبل دمشق، ابدا، بتقسيم العراق او اخضاعه للنفوذ الايراني او «تفريس» اقسام منه، او حتى اقامة نظام ديني في البلد الذي يمثل العمق السوري الاساسي. وكل ما ترفضه سورية، ها هنا، هو، بالعكس، عماد السياسة الايرانية.
***
اذا كان محور الاعتدال العربي- في مصر والسعودية والاردن- جادا فعلا في درء التمدد الايراني في العراق والمنطقة.. فان ذلك ليس ممكنا من خلال اللهاث وراء الولايات المتحدة او التفاهم مع اسرائيل. فواشنطن -وتل ابيب- مستعدتان، في النهاية، لبيع المعتدلين العرب في صفقة رابحة مع الايرانيين.
درء التمدد الايراني، يتم من خلال انشاء تحالف رباعي يضم القاهرة والرياض وعمان.. ودمشق!
ويتطلب ذلك، قبل كل شيء، وقف التصعيد ضد سورية في لبنان، ووقف سياسات عزل النظام السوري، والتفاهم الجدي والمسؤول معه، حول صيغ التحرك في المرحلة المقبلة.
لقد تبين ان السياسة الخارجية السورية هي الاكثر واقعية. وهي التي تمسك، في الحدود الممكنة، بالمعطيات على الارض. ولم يعد، واقعيا، التفكير في اعادة بناء النظام العربي، من دونها.
يبقى انني اخشى ان القاهرة والرياض، سوف تبدآن الان بالعودة الى المحور التقليدي الثلاثي مع دمشق.. وينفتح المحور كله على طهران، اتفاقا وصراعا.. بينما نبقى نحن.. خارج المعادلة!