ناهض حتّر
خلال تسع سنوات من نشاطها، تحولت فضائية “الجزيرة” من الوسيلة الاعلامية الاهم في العالم العربي، الى كونها “تلفزيون العرب” الذي يتابعه، بانتظام، عشرات الملايين من المحيط الى الخليج، وفي المغتربات، ويتفاعلون مع اجندته الاعلامية والثقافية.
وانا ارى هذا النجاح -بحد ذاته- حدثا سياسيا رئيسيا في العقد الماضي. ويتضمن، طيا، «رسالته»، اعني اعادة افتتاح رابطة قومية توحد اهتمامات وانماط تفكير وعواطف الكتلة الرئيسية من الامة العربية.
هكذا، اصبحت «الجزيرة» اداة خطرة للغاية. صحيح انها – للحفاظ على موقعها- تتبع نهجا متزنا الى حد كبير. فان من السذاجة الاعتقاد بانها لا تكرس -بالتمرير او صراحة- اجندات خاصة. وهي (الرئيسية:) الاسلحة. المنظور الثقافي السلفي، النزعات الطائفية (السنية) التطبيع (والثانوية:) التعريض بالسعوديين والهاشميين.
انا -بالطبع- لا اتحدث عن التغطيات الاعلامية التي عليها ان تعكس الوقائع والاتجاهات -مهما كانت فظة- ولكنني اتحدث عن الاساليب المعتادة في صنع الاجندات الاعلامية، الاولويات، المساحات والاوقات، النجوم، التركيز والاهمال الخ.
في تغطية «الجزيرة» للشأن الفلسطيني -مثلا- هناك متابعة كثيفة للتفاصيل، وعدد كبير من المراسلين والرسائل وتطويل لا معنى -مهنيا- له في الاوقات المخصصة. ولهذا النوع من التغطية. فضيلة واحدة هي ادامة الاهتمام بالقضية الفلسطينية. ولكن الى درجة تبعث على الاملال -وهذا خطر- وكذلك، اغراق المشاهدين بالتفاصيل اليومية للمفاوضات الثنائية، وتحويل القياديين الفلسطينيين الى نجوم اعلاميين يكررون انفسهم من دون انقطاع. واثناء ذلك، يظهر الاسرائيليون ووجهات النظر الاسرائيلية، بصورة منتظمة وكثيفة.. و«مقبولة»-وهذا خطر جدا.
«الجزيرة» تحل المسائل الفقهية، العامة والشخصية. وتصنع الابطال.. وتحدد قائمة الكتب المقترحة للقراءة، وبمقدورها ان تحول الهامشي الى رئيسي وبالعكس. حتى «محمد حسنين هيكل»، استطاعت «الجزيرة» ان تعيد انتاجه، وتعيد له امجاده في الستينات، حين كان كل العرب يقرأونه في «الاهرام» او يسمعونه في «صوت العرب». و«هيكل» في «الجزيرة» من نوعية ثقيلة، لها اجندتها الخاصة التي يعجز عن اكتشافها المسحورون بحضوره الاستثنائي على الشاشة. انه ساحر حقيقي يمكنه استدرار العطف حتى على الملك فاروق، وتقزيم ملوك وزعامات وشخصيات.. بكلمة عابرة. وسوف نفهم من «هيكل» ان اسرائيل مشروع قومي انتصر على الارض ولم يكن جزءا لا يتجزأ من ايديولوجية واستراتيجية الامبريالية!
***
تبقى هذه -وسواها- ملاحظات للحوار.. و«للمشاهدة المنتبهة» والنقد. «فالجزيرة» لم تعد -موضوعيا- ملك اصحابها، ويمكن -ويجب- التأثير عليها، بالمداخلات البناءة.