ناهض حتّر
الدعوة التي وجهها ابراهيم الشمري، الناطق باسم «الجيش الاسلامي في العراق» الى الامريكيين من اجل التفاوض، تنطوي على تطوير خطير جدا في الرؤية الاستراتيجية للمقاومة العراقية.
«فالدعوة»- التي تشترط، اولا وقبل الشروع في المفاوضات، صدور تشريع امريكي يقضي بالانسحاب من العراق، والاعتراف بالمقاومة العراقية «ممثلا شرعيا» ووحيدا للشعب العراقي- هي دعوة للتفاوض حول شروط تسليم السلطة للمقاومة العراقية، فلقاء ماذا؟
التفاوض ليس على الانسحاب «فهذا مفروغ منه» ولكن على تكوين الدولة العراقية الجديدة التي يمكنها ضمان المصالح الامريكية في العراق، وضرب الارهابيين، وحفظ الامن، والمواجهة مع ايران- التي يعتبرها الشمري، المحتل الاكثر خطرا.
وأحسب ان الامريكيين، سوف ينظرون الى هذه «الدعوة» باهتمام بالنظر الى الآتي:
«1» انها تصدر عن اكبر منظمات المقاومة العراقية، والتي تضم في صفوفها نخبة من قادات الجيش العراقي «السابق» «2» ان «الدعوة» التي تشتمل، ضمنا، على عرض مفتوح للتفاهم، تأتي في لحظة تصاعد- وليس انكفاء- العمليات العسكرية الناجحة للمقاومة ضد الاحتلال، ومن المعروف ان تلك العمليات بلغت ذروة غير مسبوقة، فهي تحدث بمعدل «4» عمليات كل ساعة «3» ان «الدعوة» التي تقدم بديلا استراتيجيا كاملا للامريكيين للخروج من الدوامة العراقية بمكاسب ملموسة.. تلوح كفرصة، على خلفية الانهيار الامني الشامل في العراق، وعجز الحكومة والقوى المشاركة في«العمليات السياسية» عن تحقيق اي انجاز ذي اهمية، بينما تشتعل نذر الحرب الاهلية، وتقف الولايات المتحدة مشلولة امام التحدي الايراني.
غير ان الامريكيين المستعدين للافادة من عرض «الجيش الاسلامي في العراق» لتحسين شروط المشروع الامريكي الفاشل في بلاد الرافدين، لن يلبوا، حتما الشرط الاساسي في ذلك العرض، اي الانسحاب، الا اذا ضمنوا بإعادة بناء الدولة العراقية، هيكليا، وفق مصالحهم الاقتصادية والسياسية والامنية- بما في ذلك القواعد الدائمة- اي انهم مستعدون لاستبدال القوى المحلية «الحليفة» من دون تغيير السياق العام لسياساتهم العراقية، والقائمة على السيطرة والنهب.
وعلى هذا، فإنني اخشى ان تكون مبادرة «الجيش الاسلامي في العراق» مرتبة مع قوى عربية مصطفة مع الامريكيين في «الصيغة الجديدة» لمكافحة التطرف في المنطقة انطلاقا من مقاربة ساذجة مع واشنطن على اساس مبادلة الانسحاب وتسليم السلطة للمقاومة العراقية بالتصدي العراقي لايران.
ومنبع هذه الخشية يكمن في حقيقة ان التكوين الاجتماعي – السياسي للمقاومة العراقية، لا يتعدى العرب السنة، وهذه الحقيقة ليست مشكلة طالما كان هدف المقاومة هو التحرير.. اما الادعاء بوحدانية تمثيل الشعب العراقي- والاستئثار ، تاليا، بالسلطة- فهذه اطروحة طائفية صريحة، تحاول التفاهم مع الامريكيين، في مواجهة الاطروحة الطائفية المضادة لقوى الائتلاف الشيعي الحاكم.
تستمد المقاومة العراقية، شرعيتها التاريخية من كونها مشروع تحرير.. وتحرر في آن ، اي من كونها لا تسعى ، فقط، الى كنس المحتلين، ولكن، ايضا الى تصفية المصالح الاستعمارية في العراق والمنطقة، وتجاوز الطائفية، وبناء الدولة الوطنية السيادة الديمقراطية القادرة على احتضان المشروع الوطني للتنمية والتحديث والعدالة الاجتماعية.
كلّي امل ان يعاود الاخوة الاعزاء في الجيش الاسلامي في العراق، قراءة المشهد العراقي، بنظرة استراتيجية لا تقع في مطبات النصائح الطائفية للقوى الاقليمية.. فهذه الطريق تقود الى عكس الاهداف التي من اجلها روّى المجاهدون بدمائهم الزكية تراب العراق العظيم.