ناهض حتّر
المشروع الامريكي، الفرنسي لقرار مجلس الامن الدولي بشأن الحرب اللبنانية – الاسرائىلية، غير اخلاقي بالطبع. ولكن هذه نقطة ثانوية. فالتحالف الغربي بقيادة واشنطن، ساقط، اخلاقياً، بلا رجاء. وهو ينظر الى العالم العربي كموضوع للنهب اللصوصي والهيمنة الامبريالية. ولا تهمه دماء الضحايا ولا انّات المعذبين ولا الحقوق الوطنية ولا امكانيات التقدم الاجتماعي، فما يريده هو النفط والسيطرة حتى اذا كان الثمن تدمير البلدان وتمزيق المجتمعات، وتأخيرها، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
«المشروع» المجرم مصمم من اجل نقل الحرب الوطنية الى الداخل، وتفجير الحرب الاهلية في لبنان، بعدما فشل العدوان الاسرائىلي في تفسيخ وتركيع الشعب اللبناني. لقد وافقت فرنسا «الام الحنون» للبنان – وواشنطن على استمرار العدوان – تحت ستار وقف العمليات الحربية – وتمكين الغزاة الاسرائيليين من تثبيت وتوسيع مناطق الاحتلال في الجنوب اللبناني، وانتهاك سيادة لبنان، وتفجير مشكلة النازحين الجنوبيين، اجتماعياً وسياسيا وطائفياً، وقضم سيادة البلد، واخضاعه، في النهاية، لاحتلال دولي.
لكن النقطة الجوهرية في هذا «المشروع» اللئيم، انه غير واقعي، انه يطلب من المقاومة اللبنانية واللبنانيين، استسلاماً غير مشروط في حين انهم الجانب المنتصر في الحرب. لقد قدم الشعب اللبناني، تضحيات جساما في كل المجالات، واستوعب لبنان، عدواناً اسرائيلياً همجياً ضخماً للغاية من دون ان يتمكن المعتدون من تحقيق اي من اهدافهم. فصواريخ حزب الله، ما تزال تدك، وستظل تدك العمق الاسرائىلي، والبنية التنظيمية والعسكرية للمقاومة ما تزال سليمة، بل انها تتسع بانضمام قوى جديدة الى المعركة، بينما القوات الغازية ما تزال عاجزة عن الثبات او السيطرة على اي شبر من اراضي الجنوب اللبناني، حيث يوجد عشرة آلاف جندي اسرائىلي في حالة الدوران على الذات، وقد تحولوا الى اهدف سهلة لمقاتلي المقاومة اللبنانية البواسل. فلماذا يضطر لبنان، اذن، الى الاستسلام.؟
ان التكتيكات العسكرية للمقاومة اللبنانية، تلحظ استدراج الجنود الاسرائيليين الى ميدان القتل، والحاق افدح الخسائر بهم وبمعداتهم، في حين يريد «المشروع» الامريكي – الفرنسي تحويل هؤلاء الجنود الى محتلين دائمين محميين «وشرعيين» بقرار دولي! واذا كان سلاح الجو الاسرائىلي قد فشل في ضرب الاهداف العسكرية للمقاومة، وتحولت انزالاته الشهيرة الى اضحوكة، فان باريس وواشنطن تريدان ان يقوم الجيش اللبناني – مدعوماً بقوات دولية – بالمهمات القذرة التي فشل فيها الصهاينة وهذه وقاحة سافرة، لكنها من الناحية السياسية، غير واقعية. الجيش اللبناني لن يقوم بهذه المهمات، و«القوات الدولية» سوف يتم اعتبارها، قوات احتلال، سوف تفتح عليها نار جهنم لا من حزب الله فقط، ولكن من قبل الشيوعيين والسوريين القوميين وكافة الوطنيين اللبنانيين.
ويظهر ان التحالف الامريكي – الفرنسي لم يدرك، بعد، صلابة الجبهة الداخلية في لبنان، فالاغلبية الساحقة من السنّة عادت ادراجها الى ميدان العروبة، ولن يجد التحالف الامريكي – الفرنسي زعيماً سنياً قادراً على السير في خطط هذا التحالف ضد قاعدته الاجتماعية. ومن جهة اخرى، فان التحالف القائم بين حزب الله «الشيعي» والتيار الوطني الحر «المسيحي» هو اعمق من ان ينفرط، لانه يرتبط بمعادلات داخلية معقدة للغاية، ويعبر عن صلب استراتيجية وطنية جديدة للسياسة المسيحية اللبنانية التي توصلت الى قناعة راسخة – بعد الكثير من المعاناة والآلام – بأن حضورها ومصالحها ومستقبلها لا يتعلق بالمعادلات الاقليمية والدولية بل بالمعادلات الداخلية. وقد عبر التماسك الوطني اللبناني عن نفسه من خلال رفض المشروع الامريكي – الفرنسي. وهو ما يعني، بالنظر الى موازين القوى في ميدان القتال، فشل ذلك المشروع المولود ميتاً.
واشنطن وباريس، تريدان، من خلال مشروعهما غير الاخلاقي وغير الواقعي، تعديل النتائج الميدانية للحرب – وهي حتى الآن في صالح لبنان – الى مكتسبات سياسية لاسرائيل التي يندفع الغرب لانقاذها من الهزيمة.
الوحدة الوطنية اللبنانية ما تزال راسخة، وان – ارسال «القوات الدولية» – تحت الفصل السابع هو مجرد غزو سوف يطلق قوى المقاومة من كل الاتجاهات، ويفجر المنطقة كلها.
* * *
ليس امام واشنطن وباريس وتل ابيب، سوى القبول الكامل بالشروط اللبنانية، هذه هي الحقيقة التي سيتجرعها الاعداء كالسم.