الحصن الأخير للديمقراطية، هل يخسر الشرعية؟

ناهض حتّر
قرار القائمة الخضراء “القومية – اليسارية” بمقاطعة انتخابات مجلس نقابة المهندسين، وفوز القائمة البيضاء بالتزكية يضعنا امام وضع معقد يحتاج الى وقفة مراجعة شاملة لها ضرورة وطنية، طالما أن النقابات المهنية، تكاد ان تكون الحصن الوحيد المعترف به للعملية الديمقراطية في بلادنا، مثلما هي منظمة لشريحة مهمة من الطبقة الوسطى التي اصبحت اكثر احتياجا لتنظيم صفوفها والدفاع عن مصالحها، في مواجهة الليبرالية الجديدة ومشروعها لاعادة صياغة المجتمع الاردني على اساس استئثار الاقلية بالثروة الوطنية، على حساب الافقار المتزايد للاغلبية.

الاسلاميون ليسوا قوة هامشية في نقابة المهندسين. بالعكس، فانهم يتمتعون بحضور كثيف ومنظم، وباستئثارهم بالادارة بصورة متتالية، فلا شيء يمنعهم – واقعيا – من الافادة من امكانات النقابة، لتعزيز قدرتهم على حسم الانتخابات. ولكن هذه السيرورة – التي تستخدم وسائل «ديمقراطية» – تنتهي الى صيغة سلطوية تنفي التعددية. وهي السيرورة نفسها التي يشكو منها الاسلاميون – وسواهم – على مستوى الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومات.

الاسلاميون، اذن، مطالبون اليوم، بما هو اكثر من التحقيق الذاتي وتبرئة النفس من اتهامات القائمة الخضراء في نقابة المهندسين، انهم مطالبون بالنظر الى صورتهم السياسية والانموذج الذي يقدمونه على المستوى الوطني، مثلما هم مطالبون بالتفاهم مع الخضر للدفاع عن مصالح النقابات المهنية، ولا يخفى ان فقدان المجالس النقابية للشرعية التوافقية السياسية، سوف يضعفها امام هجمة جديدة، أرجو ألا تنجر الحكومة اليها.

أفضل ما تفعله الحكومة هو الحياد، والمساعدة على فتح الملفات، وترك الصراع والحوار او الحوار الصراعي، لكي يأخذ مداه.

لكن ضبط النفس المطلوب من السلطة التنفيذية، لا يعني الا تقوم السلطتان القضائية والنيابية، بدورهما، سواء ألجهة التحقيق في المخالفات الادارية والمالية – إن وجدت – في النقابات المهنية أم لجهة اقرار قانون جديد يغطي كل مناحي حياة وعمل هذه النقابات.

واذا كان قانون كهذا ينبغي أن يأتي كمحصلة لحوار نقابي ونيابي ووطني، فلا بد من ثوابت اهمها اخضاع النقابات المهنية لرقابة ديوان المحاسبة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الاستقلال السياسي والاداري الذي تتمتع به الآن.

من وجهة نظري كان مشروع القانون الخاص بالنقابات المهنية، والذي تبنته حكومة فيصل الفايز، يشتمل على الكثير من الجوانب الايجابية، سوى عيب رئيسي هو اعتماد نظام الصوت الواحد في الانتخابات النقابية، لأنه يكرس اللون السياسي الواحد، ويستبعد القوى النقابية القومية واليسارية، لصالح «مستقلين» غير قادرين على تحريك وإدارة العملية النقابية. ولقد اقترح العديد من النقابيين، في حينه، تعديل المشروع، بحيث يعتمد النظام الانتخابي النسبي الذي يسمح لكل قوة نقابية ان تحصل على مقاعد تمثل حجمها الحقيقي، وتقيم، بالتالي، نظاما تعدديا لادارة النقابات المهنية.

Posted in Uncategorized.