ليس دفاعاً عن صدام حسين

ناهض حتّر
وصف رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، اصدار الحكم بالاعدام على الرئيس العراقي السابق صدام حسين بأنه «نهاية مرحلة مظلمة من تاريخ العراق» أحقاً؟ وهل هناك مرحلة اكثر اظلاماً في حياة العراق من المرحلة الحالية؟

تصريح يثير السخرية.. لكن تصريحات العديد من القيادات الشيعية، تثير السخط والأسى بسبب روحية الانتقام المتحكمة في الأداء السياسي للقوى الشيعية الطائفية «الحاكمة». أفراح حاقدة وابتهاج أعمى، يطغيان على أي حسّ بالمسؤولية الوطنية ازاء العراق.

الا يلاحظ المبتهجون ان بوش الصغير، المتسبب في مقتل 650 الف عراقي وتشريد ثلاثة ملايين آخرين في ثلاث سنوات ونصف فقط، يعد «الحكم» – ويا للصفاقة – «يوماً جيداً للشعب العراقي» انه يوم جيد بالفعل للبيت الابيض ودعايته الانتخابية! ويوم جيد لطهران.. ولبعض العرب الحاقدين.. على العراق.. لا على صدام حسين. وبالمقابل، سيكون على الشعب العراقي ان يدفع، مرة أخرى، الثمن الباهظ من احتدام الاقتتال المذهبي وتصعيب المصالحة الوطنية، وتصعيد الانقسام والتوتر في البلد الجريح.

لا تملك «المحكمة» التي قررت اعدام الرئيس صدام، الشرعية القانونية، واجراءاتها مشوبة بالأخطاء والكيدية وانعدام النزاهة، ما يجعلها، بالفعل، مسخرة. لكن «المحكمة» لا تملك، ايضاً، الشرعية السياسية أو الاخلاقية.

من الناحية السياسية، لا تمثل «المحكمة»، ارادة الاجماع الوطني العراقي، واحكامها، بالتالي، هي جزء من العنف الطائفي. وعلى المستوى الاخلاقي، فان جرائم صدام حسين، لا تعادل نقطة في بحر الجرائم البشعة الجماعية التي يرتكبها الغزاة الامريكيون وعملاؤهم والقوى الطائفية – من الجانبين – بحق الشعب العراقي.

صدام حسين يغدو ملاكاً عندما نقارنه بقوات بدر أو بفرق الموت، او بارهابيي «القاعدة» وبعض المنظمات الجهادية! وكل الاخطاء والخطايا التي ارتكبها الرئيس صدام لا تعادل التواطؤ مع الغزاة. وتفكيك البلد، وتدمير بناه وقواه والابادة المنظمة لابنائه.

انا لا ادافع عن صدام .. ولكنني مشغول بوحدة العراق ووحدة العرب. ففي النهاية. هناك انقسام واضح ازاء الرئيس صدام بين الشيعة والسنة، عراقيا وعربيا. وهذا «الحكم» الصادر لاعتبارات امريكية وطائفية، يعمق الانشقاق بين الطرفين، ويساهم في اشعال الحرائق.

فبغض النظر عن موقفهم الانتقادي من نظامه، فان العرب السنة العراقيين ينظرون الى الحكم الصادر باعدام الرئيس صدام، بوصفه إهانة لهم ولطمة .. تعمق احساسهم بالعزلة والخسارة والاستهداف في العراق «الجديد» – وسيقودهم ذلك الى المزيد من التعصب الطائفي، ويمد الغلاة والمتطرفين بدفع نفسي. كذلك فان الافراح الانتقامية الشيعية – المقرونة بالاحقاد الايرانية – بهذه المناسبة، تشكل استفزازا للسنّة في العالم العربي.. مما لا يساعد جهود ردم الهوة المذهبية، واعادة تأسيس العروبة الديمقراطية.

انها لحظة سوداء اجرامية، تدعو الوطنيين العراقيين، من كل المذاهب والاثنيات والاتجاهات، الى الحذر من الغرق فيها. ان فرصة محاكمة الرئيس صدام ونظامه، فاتت بالغزو الامريكي والاحتلال والتدخل الايراني واندلاع الاقتتال الاهلي. وأصبح من غير المفيد إحياء الأحقاد من دون جدوى الا للغزاة وعملائهم والقوى الطائفية. والمطلوب الآن. الضغط بكل الوسائل لغلق ملف «المحاكمة»، واطلاق سراح الرئيس ورفاقه. وتأمين استضافتهم في بلد عربي، وطي الصفحة.

وبدلا من ان يستخدم الغزاة هذه الورقة في التفاوض مع السنة في اطار مشروع التقسيم .. لم لا يستخدمها الوطنيون الشيعة كجزء من صفقة تفاهم مع الوطنيين السنة، تشمل ايضا وقف ما يسمى باجتثاث البعث، واعادة بناء المؤسسات السياسية والعسكرية والامنية، على أسس وطنية، لا مجال فيها للمحاصصة. ان هذه هي الوسيلة الوحيدة لكي يصبح الرئيس صدام من الماضي، لمن يريد ذلك، ولمن يريد اعادة تأسيس الدولة الوطنية العراقية، الموحدة السيدة العادلة، القادرة على تأمين الخبز والحرية للعراقيين، والنهضة للعراق.

لم يعد مهما لـ «مظلومية» الشيعة العراقيين، محاكمة صدام حسين وإعدامه، المهم – الآن – محاكمة الاحتلال والارهاب وقوى التقسيم والموت، من كل الطوائف والاثنيات.

Posted in Uncategorized.