على اليرموك قف واقرا السلاما

ناهض حتّر
اخيراً، حققتُ أحد احلامي، ووقفتُ على «شاطىء» نهر اليرموك.

عندما وقفت السيارة عند آخر نقطة قبل المنحدر الهابط الى النهر، ابتعدت عن الأصدقاء رفاق الرحلة والدليل العسكري المضياف، وسرتُ أردّد نشيداً قديماً من أصداء الطفولة:

على اليرموك قف واقرا السلاما

وفهّمه اذا فهم الكلاما

وقل يا نهرُ هل هاجتك ذكرى

شجت قلبي وحركتِ الغراما؟

وللنشيد – لمن لا يعرف – موسيقى عذبة ايقاعية فيها لوعة المحبين وبهجة الحياة، وفجأة، هبطت عليَّ خيبة الأمل. سألتُ: أين النهر؟ أهو ذلك السيل الصغير المتثاقل من المياه العكرة؟ أين اليرموك وأين الفهم وأين الشجى وأين الغرام؟

شاعر النشيد، بالطبع، لم يكن بكاذب، فقد كان اليرموك – فيما مضى – نهراً صاخباً فواراً عذباً يثير القلب ويحرك الغرام. لكنه الآن – مثل نهرنا الآخر (الأردن) لا يفيضان، بل يبكيان آخر ما في قلبيهما من أسى، أحدهما قهر العدوّ وثانيهما… آهٍ غير ان ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة!

«اليرموك» يتلوّى داخل أرض واحدة. ولذلك، فان سكة حديد الحجاز كانت تمر فوقه في عدة نقاط – على خط واحد – تسير، بلا توقف، فيصادفها النهر، مرة بعد أخرى. وما تزال الجسور الفولاذية العثمانية في عدّة مواضع على مجرى النهر، منتصبة، تجعلها الحدود السياسية، نُصباً للاعقلانية وشواهد على التناقض الحادّ، القائم في بلادنا بين الطبيعي ومنطقه… وبين السكين الامبريالي – الصهيوني الذي يذبح الطبيعة، ومنطقها، ويقطع اوصال الارض، فترى دمها ينبجس ما يزال من الأعلى يصبح المشهد ساحراً، حين ترى بحيرة طبرية المغتصبة، ومن شاطئها سفوح الجولان المحتل، والجولان، في تداخل طبيعي لا يمكن فصله (إلا بحدود سياسية مصطنعة بالطبع) وهنا، تستطيع ان تفهم لماذا كانت طبرية – المدينة، مركز «جند الاردن» الاسلامي، وتدرك السر وراء وجود وفد الجولان في مؤتمر «أم قيس» – وهي على مرمى حجر – وهو المؤتمر الذي نادى «سنة 1920» بقيام الدولة الاردنية الحديثة.

ومن أقصى نقطة في مرتفع «العشة» تنفسح أمامك الارض، وتستطيع وأنت تعيش جمالات الطبيعة المدهشة، ان تلتقط الأنفاس من ضغط الجغرافيا والتاريخ، وتملأ رئتيك بالنسائم العذبة… لوطنٍ جريح! سوف تتذكر شئت أم أبيت – ابن الوليد وتفتش في داخلك عن إرادة بحجم وبهاء وعبقريّة هذه الارض التي تنبض باللغة العربية – وباللهجة الاردنية! – مفتاح المنطقة، ومفصل «الشرق الاوسط»!.

Posted in Uncategorized.