نهاية الحقبة الامريكية: (2) مخاطر الفصل الاخير

ناهض حتّر
في الفصل الاخير من نهاية الحقبة الامريكية، تتصرف جميع القوى الاقليمية – على ما بينها من تناقضات .. عنيفة احيانا – في السياق الخاص بالسجال الامريكي – الامريكي. فالبيت الابيض ونقاده متفقان – في الاخير – على ان حقبة التدخل العسكري والايديولوجي (دعاوى التغيير الديمقراطي) قد انتهت، وانه لا بد من العودة الى الدبلوماسية الواقعية للحفاظ على النفوذ الامريكي في المنطقة.
بوش الصغير يريد فسحة لتحقيق انتصار – ولو جزئي – في العراق، يسمح للدبلوماسية الامريكية، التحرك من موقع قوي – وبالاستناد، اساسا، الى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، في حين يرى نقاد البيت الابيض، من الحزبين، انه لا داعي للمزيد من اهدار الوقت والجهد والدم والمال، بل العودة الى الدبلوماسية الواقعية فورا، وعلى اساس الانفتاح على الجميع، بمن في ذلك الخصوم في ايران وسورية.
هذا هو السجال الذي يميّز الفصل الاخير من «نهاية الحقبة الامريكية»، وهو فصل محتشد بالمخاطر، طالما ان جميع القوى الفاعلة 0 في المنطقة- تفكر وتعمل في اطار ذلك السجال، ولا تتجاوزه.
وتتخذ تلك المخاطر شكلين – كلاهما يدور حول نفسه، ولا يؤسس للمستقبل – الشكل الاول: الحروب الاهلية والصدامات – في العراق وفلسطين ولبنان حيث يحاول كل طرف حسم الموقف او تحسين شروطه على الاقل، قبل ان تستقر السياسة الامريكية على انتهاء مرحلة التدخل العسكري والايديولوجي، والشروع في الدبلوماسية الواقعية والمصالحات. ولذلك، فنحن نقدر ان الحروب الاهلية والمصادمات سوف تستمر في تلك البلدان الثلاث، حتى الصيف او الخريف القادمين، حين يظهر فشل خطة بوش الصغير الجديدة في العراق، ويذعن لتوصيات بيكر – هاملتون. اي ان الصدامات المحلية، قد يكون لها آلياتها الخاصة التي تتعدى مرحلة الانتظار، وتتجاوز، بالتالي، امكانات التدخل الدبلوماسي الامريكي.

الشكل الثاني لمخاطر انتظار مفاعيل السجال الامريكي – الامريكي، هو الجمود السياسي في البلدان «المستقرة» وديناميات هذا «الجمود» خطيرة جدا لثلاثة اسباب، الاول: انها تمنح «الانظمة» شعورا وهميا بالاطمئنان الى امكانية استمرار الوضع القائم، وتُضعف ارادة التغيير لديها، وتدفعها الى تجاهل المعارضات والانتقادات المدنية والاجتماعية، والثاني: انها تشلّ، بذلك، فعالية البلدان عن الاستعداد الجدي للتغييرات الآتية في موازين القوى الاقليمية والدولية، والثالث، انها تهمّش المعارضات الوطنية المدنية لحساب المتطرفين، الاكثر حساسّية لكل تغيير في موازين القوى، لانهم، في الحقيقة، اكثر نضالية واستعدادا للمغامرة.

نلاحظ انه على خلفية الصراعات والفوضى والجمود في العالم العربي، يبرز، بوضوح، الخطر الاسرائيلي.

توجد في اسرائيل، لحسن الحظ، قيادة ضعيفة عاجزة عن اتخاذ مبادرات كبرى. وقد لاحظت انها خاضت الحرب على لبنان، في الصيف الماضي، من دون كفاءة عسكرية او سياسية. وهذان العاملان يحدان من القدرة الاسرائيلية على استغلال الوضع السيئ في المحيط العربي.
ومع ذلك، فإن اسرائيل تستفيد من ذلك الوضع، اولا، بكسب الوقت لمداراة ضعفها السياسي واعادة تأهيل قواتها المسلحة، وثانيا، بالقيام بسلسلة من المبادرات العدوانية الصغيرة – مثل توسيع الجدار الاستيطاني – وتضم المزيد من اراضي الضفة، من دون مواجهة احتجاجات جدّية، وثالثا، بتأجيل اي بحث في العودة الى المفاوضات مع الفلسطينيين او سورية، قبل ان تتضح صورة الحضور الامريكي في المنطقة.
والى ان تتضح تلك الصورة، فإن اسرائيل لن تتقدم خطوة واحدة باتجاه الحل. واذا ما تمكنت من اعادة ترتيب بيتها الداخلي، خلال الاشهر الستة القادمة، فالأرجح انها سوف تتجه – انسجاما مع آليات الدبلوماسية الواقعية الامريكية – الى التفاهم مع سورية، وحزب الله، وحماس.
ويبقى ان ايران، اثناء ذلك، سوف تسعى الى موقف دفاعي، وبالدرجة الاولى للحفاظ على نظامها، ومحاولة تمديد مشروعها النووي.
لقد كانت استجابة طهران – حتى الآن – مدهشة للتهديد الذي تضمنته خطة بوش الجديدة في العراق، فهي سحبت المليشيات الموالية لها من صدام محتمل مع الامريكيين، وعززت دعمها «للائتلاف الشيعي» الحاكم على الرغم من انتقاله السافر الى الاندراج في الخطة البوشيّة. وفي رأيي انها سوف تستمر بالتراجع، مما يغري الامريكيين بتوجيه ضربات تأديبية مأمونة الى بعض مرافقها العسكرية والنووية .. لكن التفاهم الشامل بين الطرفين قد يسبق ذلك، في حين ان سورية ترتب اوراقها – بثقة زائدة – وكأن خطة بوش مجرد هامش على توصيات بيكر – هاملتون.

Posted in Uncategorized.