هل أنت ارهابي؟

ناهض حتّر
– 1 –

العيب الاساسي الكبير في مشروع قانون منع الارهاب، انه لا يعرّف الارهاب، ولا يصفه، ولا يحدد الافعال الجرميّة التي يعتبرها ارهابا. وهذه ثغرة قانونية صريحة، تفسد المشروع كله، وتخرجه من دائرة القانون الى دائرة السياسة.

الارهاب هو – تحديدا – استهداف المدنيين بعمليات عنفية لتحقيق اغراض سياسية. وعندما يتعلق الامر بمشروع قانون اردني لمنع الارهاب، فان ديباجته او مادته الاولى، ينبغي ان تتضمن، بكلمات لا لبس فيها، تعريفا محددا للارهاب بوصفه هذا، اي باعتباره «عمليات العنف التي تستهدف المدنيين على اراضي المملكة، لتحقيق اغراض سياسية.» فاذا ورد هذا النص، أصبحت المواد الاخرى في مشروع القانون المعني – بما فيها الاخذ بالشبهة. والرقابة، ومنع السفر، والحجز التحفظي على الاموال، والاعتقالات الاحترازية وغير الخاضعة للقانون العادي – تشير الى اجراءات الهدف منها حماية المدنيين في المملكة من التعرض للعنف المسلح. «علما بان الهيئات العسكرية تحميها قوانين اخرى.» وسيكون «المشروع» بذلك مقبولا من المجتمع، على الرغم من انه يعطي للاجهزة الامنية، صلاحيات واسعة غير محددة، بل ذات مضمون عرفي صريح. ومبرر هذا التنازل من المجتمع عن جزء من حقوقه المدنية هو توفير مظلة قانونية لتمكين السلطات من حماية المدنيين الاردنيين – وضيوفهم – من الاعمال الارهابية.

بخلاف ذلك، لن يحظى «مشروع قانون منع الارهاب» والاجراءات المتخذة بحق الاشخاص في ظله – بالاجماع الوطني. فالقسم الرئيسي من الاردنيين، لا يعتبر العنف الموجه ضد المحتلين الاجانب، ارهابا بل مقاومة وجهادا. بالاضافة الى ان الرأي العام الاردني، الحساس جدا ازاء الحفاظ على امن المملكة واستقرارها، لا يحبذ صرف اية جهود، في هذا المجال، خارج الحدود، اللهم الا اذا كانت هذه الجهود لها علاقة مباشرة بحماية الامن الداخلي في المملكة.

وبغياب التعريف المحدد للارهاب في «المشروع»، تغدو النشاطات الارهابية المنصوص عليها، ملتبسة بصورة مرعبة. فطالما ان للسلطات تحديد كون منظمة او جماعة أو جمعية ما، «ارهابية»، بصورة كيفية لا تخضع لمعيار او لنص صريح، فان توصيف اية هيئة بانها «ارهابية» من قبل السلطات، يؤدي، تلقائيا، الى تجريم اعضائها او اصدقائها بالارهاب! «المادة 3 أ 1».

والأخطر هو تجريم أي «دعم للارهاب»- وهو غير مُعرّف “بالفعل أو المال، بشكل مباشر أو غير مباشر” «3 أ 2» وهو ما قد يشمل، كيفياً، طيفاً واسعاً من الأنشطة، بما في ذلك- مثلاً- التبرع لهيئات أو جمعيات تؤيد المقاومة العراقية أو الفلسطينية أو تقاوم الدعاية الاسرائيلية في أوروبا أو تدعم نشاطات منظمات حقوقية تكشف عن المذابح الامريكية في العراق، بل ويمكن – وفقاً لهذه المادة- تجريم الأحزاب السياسية والشخصيات والصحافيين والكتّاب وقادة الرأي والمواطنين المعادين للاحتلالين الامريكي والاسرائيلي في العراق وفلسطين، أو المؤيدين لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها أو المناضلين ضد الامبريالية من اليسار او القائلين بالجهاد ضد الاستعمار من الاسلاميين.

لا حدود للتجريم في “مشروع قانون منع الارهاب” فللسطات حرّية مطلقة غير مقيدة في اعتبار نشاط ما “ارهابيا” أو مسانداً للارهاب بشكل مباشر أو غير مباشر! وحينها يكون للسلطات حق الاشتباه واصدار قرارات تشطب كافة الحقوق المدنية للمشتبه به، لمدة ستة أشهر، من دون أية اعتبارات قانونية، بل انطلاقاً من حق السلطات المطلق في الاشتباه «المادة 4 أ 1 و 2 و 3 و 4 و ب» وتمارس الاجهزة الامنية هذا الحق المطلق في اعتقال اي مشتبه به لمدة شهر كامل، من دون وقوع جريمة أو وجود قرائن على التحضير لجريمة، بل على أساس الظن والاشتباه.

وتستطيع الحكومات، استخدام هذه الصلاحيات غير المقيدة إزاء أي معارض سياسي باعتقاله لمدة شهر واسقاط حقوقه المدنية لمدة ستة أشهر، ومن ثم اطلاقه من دون أن تترتب له أية حقوق تعويضية. وهو- على كل حال- «عقاب» كافٍ على المعارضة.

ويشجع «المشروع» المواطنين على الوشاية بسواهم، بل هو يجرّم أي مواطن لا يبلّغ عن نشاط «ارهابي» ويعفي من العقاب “المتورط” اذا وشا بزملائه، وطالما ان “الارهاب” غير معرَّف في “المشروع”، فإن الباب مفتوح للوشايات الكيدية من كل صنف ولون «المادتان 6 و 7» وللانصاف فإن واضع المشروع انتبه الى هذه الثغرة، فجرّم الوشاة الكاذبين «المادة 8»

******

إذا تم اقرار هذا ” المشروع”، يكون قد تم نسف الأسس الدستورية والقانونية للحقوق المدنية والديمقراطية في البلاد، وشل الاصلاح السياسي، والعودة الى ما قبل ال¯ ،89 بل الى ما هو أسوأ، وطالما ان ذلك غير ممكن واقعياً، فسنكون، إذن، أمام مرحلة صعبة للغاية.

Posted in Uncategorized.