نهاية الحقبة الامريكية “1” بأي معنى والى أي حد؟

ناهض حتّر
تمعنتُ، طويلا، في ما كتبه المنظر الامريكي، ريتشارد هاس، عن «نهاية الحقبة الامريكية» واستنتجتُ ان العجز النظري ليس صفة الحاكمين في البيت الابيض، بل ايضاً صفة نقادهم من داخل المؤسسة – مجلة يورن افيرز، كانون الاول – شباط 2007 – .
يرى هاس، بالنظر الى الهزيمة الامريكية في العراق وانتشار مشاعر العداء للولايات المتحدة في الشرق الاوسط – ان الحقبة الامريكية في طريقها الى الزوال في هذه المنطقة. ومع ذلك، فهو يعتقد بامكانية الحفاظ على النفوذ الامريكي فيها، في حالة التخلي عن السلاح والعودة الى الدبلوماسية.
وهذا المنظور يفتقر الى الجدلية. فالعودة الى ما قبل آذار – نيسان ،2003 هي مجرد وهم. ذلك ان شطب اربع سنوات من العنف الامريكي الاسود، مستحيل. كذلك، فان الهيمنة السياسية الناعمة للولايات المتحدة كانت تستند، قبل ذلك الى «1» هيبة قوة عسكرية جبارة لا يمكن هزيمتها «2» والى دعاية – مقبولة – حول الدعم الامريكي للتحول الديمقراطي في العالم العربي.
وقد انهار هذان الاساسان اللازمان للهيمنة الامريكية في العراق. لقد تبين انه يمكن الحاق الهزيمة بالجيش الامريكي، كما ان الاطروحة الديمقراطية تبخرت في سجن ابو غريب، وفي الفوضى والخراب اللذين حلا في العراق.
وحالما تنسحب القوات الامريكية من بلاد الرافدين، فان الشعوب العربية لن تدعو واشنطن الى حفلة مصالحة. فلقد خسرت واشنطن معركة القلوب والعقول، وهي تكاد ان تخسر المعركة على الارض…
لذلك، يمكنني القول ان بوش الصغير، اكثر واقعية – من وجهة نظر المصالح الامبريالية – من نقاده، حين يحاول – ولو يائساً – كسب الحرب بالقوة، وحين يحذر حلفاءه العرب من الخسارة المشتركة في العراق.
غير ان السجال الامريكي كله، يقع، بلا ريب، في الفصل الاخير من نهاية الحقبة الامريكية في المنطقة … كذلك في العالم كله. ففي السنوات الاربع التي غرقت فيها الولايات المتحدة في العراق، حدثت تغيرات تاريخية لم يعد ممكناً استدراكها: «1» تحولت روسيا من دولة مفككة ضعيفة كمبرادورية الى دولة قومية تستعيد مكانتها، بثبات، كقطب دولي «2» وقفزت الصين من شريك اقتصادي للولايات المتحدة الى قوة دولية تضمر التحدي «3» انتقلت القارة الامريكية اللاتينية الى اليسار «4» وترسخت الحركة العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية، وتحولت الايديولوجية الليبرالية الجديدة – التي كانت تهيمن على العالم في التسعينيات – الى نزعات سلطوية تحكم بالقوة، وتلتقي في أوكار معزولة.
أوروبا، وحدها، لم تستفد من الغرق الامريكي في العراق، استرخت.. ولكنها لم تبادر الى كينونة مضادة للامريكيين. فهي ترى نفسها، في الاخير، في مواجهة تاريخية مع الاعداء انفسهم، في الشرق والجنوب..
«الحقبة الامريكية»- على كل حال- تعيش ايامها الاخيرة. وبغض النظر عن السجال بين البيت الابيض ونقاده، كما بغض النظر عن خطة بوش الجديدة في العراق او توصيات بيكر- هاملتون، فإن الاحتلال الامريكي سوف يغادر العراق، في غضون سنة او سنتين. وسيبدأ عندها- بل بدأ منذ الآن فعلا حراك دراماتيكي خطر جدا-
القوى العربية المعتدلة، تحاول استدراك ذلك الحراك الخطر، عن طريق وضع ثقلها كلّه وراء سياسات وخطط بوش الصغير، مع التنبيه الى ان المسارعة الى تقديم شيء للفلسطينيين الآن، سوف يساعد تلك السياسات على النجاح.
وبالمقابل، فإن الحلف المضاد- ايران، ولكن خصوصا سورية وحلفاءها العرب: «حماس» و«حزب الله»- ينتظر مرور العاصفة وسقوط بوش الصغير وسياساته للتفاهم مع الدبلوماسية الامريكية التي تحضر نفسها لاعادة ترميم النفوذ الامريكي في المنطقة، بعد المرحلة، بعد المرحلة البوشية الحمقاء.
ولكن كلتا النظرتين تنتسبان الى الماضي، فما بعد «الحقبة الامريكية» يحتاج الى نظرات جديدة وقوى جديدة، وادوات جديدة.
والمؤسف اننا لا نملك ايا منها حتى الآن!

Posted in Uncategorized.