ناهض حتّر
ما اثبته حزب الله، بصورة ملموسة وحاسمة، ان امكانية ردع القوة الاسرائي¯لية، موجودة بالفعل، وصحيح ان كلفة هذا الردع كبيرة في المجال المدني، الا انه يمكن، في الاخير، احتمالها، اذا كان التحدي مصيرياً، والتضامن الوطني فاعلاً.
وقدرة الردع التي اظهرتها منظمة مقاومة لا تزيد امكاناتها عن 1 بالمئة من امكانات الجيوش العربية، تطرح على الوعي العربي سؤالاً ساخناً حول واقع ميزان القوى الفعلي مع الدولة الصهيونية؛ وهل يبرر حقاً كل هذه التنازلات امامها؟ والسؤال ليس مطروحاً، فقط على الانظمة والنخب الحاكمة العربية والتي لا مناص لها، بعد الان، من تقديم مقاربة جديدة للصراع العربي الاسرائي¯لي غير تلك المقاربة المعهودة منذ كامب ديفيد – بل هو، ايضاً، مطروح بالقوة نفسها، على المجتمعات العربية: هل هي مستعدة لدفع الثمن؟
على كل حال، من الواضح ان عملية السلام المقترحة من قبل الاجماع العربي الرسمي، قد تقوضت نهائياً اولاً، لانها لم تؤد الى تحقيق الهدف المركزي منها، اي الحل العادل للقضية الفلسطينية، وثانياً، لانها لم تؤد الى استعادة الحقوق العربية على جميع المسارات – ما عدا المسار المصري وثالثاً، لانها لم تؤد الى وضع حد لعدوانية اسرائي¯ل، ووحشيتها، ونزعتها المتصاعدة الى استخدام القوة العسكرية، بدلاً من الوسائل السياسية، ورابعاً، لان جوهر المقاربة السلمية العربية الرسمية، وهو اعتماد الراعي الامريكي وسيطاً، سقط نهائياً في الحرب الاسرائي¯لية على لبنان، والتي ادارتها الولايات المتحدة، بصورة مباشرة، واجبرت عدة انظمة على تغطيتها سياسياً، في سياق سياسة امريكية جديدة تقوم على استخدام حلفائها، الاسرائي¯ليين – عسكرياً لتحقيق مشاريعها الاستعمارية التي لا تلحظ الحد الادنى من الحقوق العربية، المكرسة في قرارات دولية.
من جهة اخرى، فان الشعوب العربية المتلهفة لنيل حقوقها في اطار سلام حقيقي ودائم، او تحقيق اختراق تنموي قابل للحياة او انجاز تغيير ديمقراطي جدّي – ما تزال عاجزة عن تقديم بديل تاريخي.
ولعل هذا هو اساس الدّوار الذي نشعر به جميعا على ايقاع الحرب اللبنانية الاسرائي¯لية.. فالمقاومة الناجحة تحرجنا، ونحن لا نستطيع ان نستوعب هذا النصر الذي يستفزنا ويدعونا للتفكير ويغير حياتنا، بل ربما كنّا نريد هزيمة جديدة، تكرس عاداتنا القديمة في النواح، وتطمئننا الى البقاء في دائرة الركود التاريخي كلاّ. لقد جاءت ساعة الحقيقة، ولن تكون هناك، ابداً، عودة الى الماضي. فما بعد 12 تموز ليست كما قبله. فأكثر ما يمكن ان يصل اليه التحالف الامريكي الاسرائي¯لي في هذه الحرب، هو خلق بؤرة جديدة للفوضى الامنية والسياسية في المنطقة، سوف تنشأ في اليوم التالي لوصول القوات المتعددة الجنسية الى لبنان. فوجود هذه القوات، سوف يستنفر كل اشكال المقاومات، ويعيد تأسيس المليشيات، وستكون النتيجة الكارثية دليلا جديدا على الفشل الامريكي، وبالنظر الى العقلية العقائدية، للادارة الامريكية الحالية، فان واشنطن سوف تعمل على تعميم دائرة الفشل تشمل المنطقة كلها. غير ان ميزان القوى في الميدان، وفي المجتمع اللبناني، لن يسمح للتحالف الامريكي – الاسرائي¯لي بتحقيق اهدافه، وحين يتم وقف اطلاق النار، فانني ارجح ان اكثر ما سيحصل عليه الامريكيون هو تكوين قوة دولية محدودة القدرة والصلاحيات، لن يكون بمقدورها ان تلجم حزب الله او ان تغير المعادلة السياسية الداخلية في لبنان لصالح المشروع الامريكي، بالعكس، لقد تلقى الانصار اللبنانيون لهذا المشروع، من الاسبوع الاول للحرب، ضربات سياسية قاتلة، بحيث نستطيع القول باطمئنان، ان ما يسمى «ثورة الارز» المتأمركة وتحالف 14 آذار، كانا اول ضحايا العدوان الاسرائي¯¯لي على لبنان.
وعلى المستوى الاشمل، فان النظام الرسمي العربي سوف يدفع ايضا ثمنا سياسيا باهظا.